قادة 2030 مع مسك.. والذكاء الهجين الجماعي
زهير آل طه
نعيش مرحلة متغيرة بل طفرة في التطوير المستمر السريع والمتسارع لم يشهده التاريخ العملي والعلمي من قبل في نمط الحياة باتجاهاتها كافة، وخاصة في منظومة الاتصال والتواصل والبحث والابتكار، وسرعة استقطاب واستحضار البيانات وتحليلها والتجاذب والتفاعل معها وتقييمها والتعامل معها لاتخاذ القرارات بذكاء إنساني أو اصطناعي أو هجين بينهما، وهذا ما تعنيه الحركة التسارعية للثورة الصناعية الرابعة الرقمية والذكاء الاصطناعي في مجال التعمق في الدراسات والأبحاث العلمية، بما يخص تنمية ذكاء الآلة وإشراكها في القرار.
الذكاء الإنساني في حقيقته الحديثة وتحدياته وفي تنميته مرتبط بتطور نظام التعليم الهجين بالتدريب وبتنمية وصقل المهارات العقلية والفكرية المدروسة دراسة تحليلية وبحثية وافية، ومبنية على الحاجة والنقص والبيئة التنافسية الداخلية والمحيطة العالمية بها، والهدف منه النهوض بالمجتمع نحو الإبداع والابتكار والاندماج في تحقيق الاستراتيجيات الموضوعة.
والذكاء الاصطناعي بمنظور تطوري يحوي ضمنيا مراحل تدريبية وتعليمية كما الذكاء الإنساني من حيث مراحل التعليم والتدريب والتطور المرحلي، فهناك من يرى أن التعلم العميق في الذكاء الاصطناعي Deep Learning يمثل التعليم العالي ما بعد التعلم الآلي Machine Learning الإعدادي المدفوع ببرمجة وتدخل الإنسان في بعض مراحله، بخلاف العميق شبه الذاتي في التصرف، وهذا ما اتجهت إليه “ماريا” جافريوشينكو وزملاؤها من جامعة يوفاسكولا بفنلندا في البحث العلمي عام 2020 وبعنوان “تجسير التعلم البشري والآلي باحتياجات تنمية الذكاء الجماعي”.
أي بمعنى أوضح يكمن في الطلب التكاملي بين الذكاءين كفريق واحد لسد النقص والفجوات بينهما كما تراه “ماريا”، ليقوي ويعزز التطور والتسارع المستمر في عالم الذكاء الرقمي بما يخدم افتراضيا وأخلاقيا الإنسانية والحماية الوطنية، وكل منهما يتطلب تدريبا للتطوير الذاتي وتحقيق الأداء العالي، إلا أن الذكاء الإنساني يبقى الأرفع والدافع لنمو الذكاء الاصطناعي كترجمة لمخرجات الابتكار المفتوح والأيكولوجي، بما يشمل الابتكار المجتمعي والاجتماعي المصغر تركيزا داخل المجتمعي.
هناك حديث عن التعلم العميق وتوجه تأثيره على مقترح تأسيس الجامعة العميقة Deep University أو جامعة لكل شيء University for Everything، والتي يمكن إطلاقها كبيئة تدريب إبداعية ومتطورة وتعاونية للأنظمة المعرفية الاصطناعية (AI) والهجينة (الذكاء الإنساني + الذكاء الاصطناعي = الذكاء الهجين الجماعي)، بحيث تزود هذه الجامعة الطالب والدارس بمصادر المعلومات وطرق التدريب لزيادة الوعي الذاتي والاستقلالية المعرفية، من خلال التطوير الذاتي القائم على التعلم العميق للقدرات ليكون شغوفا فضوليا، ومنها أسلوب طرح الأسئلة وصياغة الاستفسارات بذكاء وإبداع، والعثور على إجابات واتخاذ قرارات مناسبة ومرضية ومقنعة، والتي تجنح لها “جولوفيانكو” ماريا وزملاؤها في بحثها العلمي عام 2018 بعنوان “من التعلم العميق إلى الجامعة العميقة: التطوير المعرفي للأنظمة الذكية”.
ويخيل للبعض وهو الأقرب للتحقق أن يخرج في المستقبل نموذج أعمال يواكب هذا التطور الرقمي الذكي، ليصنع تغييرا جذريا في طرق التعامل وقيادة الاستراتيجيات والتحولات والاستثمار والاقتصاد، تتم بلورته وتقويته من خلال التحالف بين الذكاء الاصطناعي أو المهارات التحليلية لآلات التعلم الذاتي مع الفكر البشري الخيالي للقادة الأذكياء الجدد، ليحققوا معا المعنى الحقيقي للذكاء الهجين الجماعي.
فهل سيكون نموذج القادة الأذكياء الجدد الدافعين للذكاء الهجين الجماعي ضمن الترتيبات والأولويات التي تعتزم “مسك” إدراجه في برنامجها “قادة 2030″، في اختيار وتطوير ودعم 1000 قائد سعودي لخلق مجموعة من القادة المؤثرين كما تشير إليه في موقعها، والتي أنهت مسك من فترة بسيطة اختيارها للمرشحين المتقدمين منهم بعد سلسلة من العمليات والمقابلات الذكية، والذين سيجهزون ليسهموا بقوة في تسريع أجندة التحول الوطني في المملكة وفي تحقيق أهداف الرؤية 2030 الواعدة؟
من الجميل في هذه المرحلة المهمة في حركة التحول وتدفق الكثير من الأفكار والاجتهادات لاتخاذ قرارات أكثر دقة وكمالا؛ أن يتم التفكير بعمق لتأسيس “جامعة عالمية عميقة” في المملكة نابعة من نموذج التعلم العميق، بدعم وتوجيه من كل القطاعات المعنية بالذكاء الاصطناعي وبتنمية البحث والتطوير والابتكار، لتكون المحطة التي يقف ويستند ويتطور من خلالها باستمرار القادة الأذكياء الجدد المعول عليهم قيادة المستقبل واستراتيجياته، ومجابهة التحديات والأزمات بذكاء وفطنة.