حوكمة الذكاء الاصطناعي
د. زياد بن عبدالعزيز آل الشيخ
طرحت مدينة متوسطة مؤخرًا نظامًا لإدارة حركة المرور يعتمد على الذكاء الاصطناعي، واعدًا بتنقلات أكثر سلاسة وكفاءة. سرعان ما كشفت الاختبارات الميدانية عن تحيّز خفي في أداء الخوارزميات، إذ وجّهت الحافلات وضبطت الإشارات وفقًا لمعايير تؤدي لتجاهل الأحياء ذات الدخل المنخفض. يسلط هذا المثال الضوء على المخاطر الحقيقية التي تنجم عن غياب الرقابة الأخلاقية عند توظيف الأنظمة الذكية في إدارة شؤون المواطنين.
استجابةً لهذه التحديات، أصدرت هيئة مهندسي الكهرباء والإلكترونيات “IEEE” نموذجًا للتصميم المتوافق أخلاقيًا “Ethically Aligned Design” لمعالجة الإشكالات الأخلاقية في الأنظمة المستقلة والذكية. ظهر النموذج لأول مرة عام 2016 وصدرت نسخة محدثة عام 2018 بعد مشاورات موسعة شملت مئات الخبراء من أكاديميين وخبراء الصناعة والمجتمع المدني والهيئات الحكومية. يضم النموذج مجموعة من التطلعات الأخلاقية مثل احترام حقوق الإنسان وازدهارها ووكالة الأفراد في إدارة بياناتهم والشفافية في آليات اتخاذ القرار والمساءلة الواضحة للجهات المعنية واليقظة ضد احتمالات إساءة الاستخدام إلى جانب تشجيع الكفاءة التقنية وتبني معايير الجودة. كما يتضمن توصيات عملية لتعزيز المعايير الفنية ولغة المشتريات وأطر السياسات.
توفر مبادئ النموذج إطارًا واضحًا لمتخذي القرار على أعلى المستويات لتطبيق آليات الرقابة والمساءلة على مشاريع الذكاء الاصطناعي. فهي بمثابة دليل للعدالة الخوارزمية يفرض مراجعة منهجية لمنطق عمل الخوارزميات ويشترط قياس نجاح المشاريع بمعايير تدعم رفاه الأفراد والمجتمعات بدل الاقتصار على مؤشرات الأداء التقنية. فعلى سبيل المثال، ينص مبدأ وكالة البيانات على حق المستخدمين في التحكم بمعلوماتهم الشخصية وهو مبدأ يمكن نصّه مباشرة في عقود الموردين أو طلبات تقديم العروض لضمان حمايتهم من جمع البيانات دون موافقتهم الصريحة.
ولا يقتصر دور هذا النموذج على الخبراء الفنيين فحسب؛ بل يمتد إلى القادة غير التقنيين الذين يمكنهم سد الفجوات التنظيمية عبر تضمين مبادئه في وثائق الحوكمة الرئيسة. ويمكن اشتراط التزام الموردين بتطبيق بنود محددة وتكليف جهات مستقلة بتدقيق منطق اتخاذ القرار ودمج مقاييس الرفاه المستقبلية في مؤشرات الأداء لتقييم الأثر الاجتماعي في مجالات مثل العدالة والصحة النفسية والاستدامة البيئية. كذلك يمكن تأسيس تقييم الاستعداد الأخلاقي للذكاء الاصطناعي بفريق مستقل يطبق معايير النموذج ويكشف النقاط العمياء التي تتطلب معالجة فورية مما يمكن مجلس الإدارة من توجيه الحوكمة بتوازن بين الجوانب التقنية والأخلاقية.
مع اتساع الاعتماد على الأنظمة الخوارزمية الذكية في مجالات التوظيف الآلي والخدمات العامة والتخطيط الحضري، يتضاعف خطر الإهمال الأخلاقي على شرائح واسعة من المستفيدين. كما يتيح تفعيل نموذج التصميم المتوافق أخلاقياً لصناع القرار استباق العقبات وإدارتها بفاعلية ما يعزز شفافية العمليات ويعكس قيم المجتمع وأخلاقياته. بدلاً من أن تتحول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي إلى محط خلافات ثقافية وسياسية، يمكن تكييف النموذج ليتماشى مع الخصوصيات المحلية والتنوع المجتمعي فتظهر أنظمة أكثر عدالة وموثوقية ونجاحًا.
المصدر: الرياض