نمذجة المعادلة الهيكلية الذكية.. كيفية قياس علاقات المتغيرات الإحصائية بأعلى دقة؟
AI بالعربي – خاص
تُعد نمذجة المعادلة الهيكلية الذكية (SEM) أداة تحليلية متقدمة تجمع بين تحليل المسار وتحليل العوامل لقياس العلاقات بين المتغيرات بدقة وفعالية. تتيح هذه التقنية دراسة العلاقات المباشرة وغير المباشرة بين المتغيرات الملحوظة والكامنة في نموذج واحد، مما يوفر فهمًا أعمق للتأثيرات والتفاعلات المعقدة. تُستخدم SEM على نطاق واسع في مجالات متعددة مثل العلوم الاجتماعية، والتعليمية، والإدارية، حيث تعتمد على برمجيات متطورة مثل SmartPLS وAMOS، التي تسهّل بناء النماذج وقياس المؤشرات الإحصائية. بفضل دقتها ومرونتها، أصبحت SEM أداة رئيسية للباحثين لتحليل البيانات واختبار الفرضيات العلمية، شملها الذكاء، بشكل يُعزز مصداقية النتائج وفاعلية اتخاذ القرار في أسر وقت وبأعلى دقة ممكنة.
نمذجة المعادلات الهيكلية (Structural Equation Modeling – SEM)
هي مجموعة من الأساليب الإحصائية التي تُستخدم لبناء نماذج تُظهر العلاقات بين المتغيرات المختلفة بطريقة تعتمد على التحليل الإحصائي. تُستخدم هذه التقنية على نطاق واسع في عدة مجالات مثل إدارة الأعمال، علوم التربية، علم النفس، وعلوم الحاسب، خاصة في الدراسات الاجتماعية والسلوكية.
لكي نفهم أكثر.. مفهوم نمذجة (SEM)
النمذجة هنا تشير إلى بناء “نموذج” يعبر عن العلاقات بين المتغيرات (المتغيرات المستقلة والتابعة).
يمكن تصوير هذه العلاقات باستخدام رسوم بيانية تُظهر تأثير متغيرات معينة على أخرى.
أهم مميزات نمذجة المعادلات الهيكلية
– القدرة على التعامل مع متغيرات متعددة في وقت واحد: يمكن للنموذج التعامل مع متغير ما كمتغير مستقل (مؤثر) ومتغير تابع (متأثر) في الوقت ذاته. مثال:
دراسة تأثير جودة الخدمة (متغير مستقل) على رضا العملاء (متغير تابع). ومن ثم دراسة تأثير رضا العملاء (الآن متغير مستقل) على ولاء العملاء (متغير تابع).
– دقة التحليل: تتيح النمذجة إحصائيات دقيقة توضح التأثيرات بين المتغيرات ومدى قوة العلاقة بينها.
– التعامل مع المتغيرات الكامنة: يمكن استخدام المتغيرات “غير الملاحظة” (التي لا يمكن قياسها مباشرة) عبر مجموعة من المؤشرات التي تقيسها. مثال: “جودة الخدمة” قد تُقاس عبر معايير فرعية مثل السرعة، الاستجابة، والدقة.
تاريخ وبداية تطور نماذج المعادلة الهيكلية
بدأ تطور نماذج المعادلات الهيكلية (SEM) مع أسسها في الانحدار الخطي، حيث أسس كارل بيرسون مفهوم معامل الارتباط عام 1896، وهو ما سمح بتحديد العلاقات بين متغيرين مستقل وتابع. مكنت هذه الأسس الرياضية من استخدام تحليل الانحدار للتنبؤ بالمتغيرات التابعة بناءً على مجموعة من القيم المستقلة مع تقليل الخطأ المتبقي. بعد ذلك، قدم تشارلز سبيرمان تحليل العوامل في أوائل القرن العشرين، حيث استخدم معامل الارتباط لتحديد العلاقات بين العناصر وابتكار العوامل الكامنة، مما أسهم في تطوير أدوات القياس مثل اختبارات الذكاء والكفاءة.
في أربعينيات القرن العشرين، طوّر كل من دي إن لولي (DN Lawley) وثيرستون (L.L. Thurstone) تطبيقات عملية لتحليل العوامل، وهو ما ساهم في تصميم الاستبانات والمسوحات المستخدمة في البحوث النفسية والاجتماعية. لاحقًا، جاء تحليل العوامل التأكيدية (CFA) ليعزز هذه الأفكار، حيث تم استخدامه للتحقق من صحة النماذج النظرية. قاد هذا التطور كارل غوستاف يوريسكوج في الستينيات، الذي نشر أول بحث عن CFA عام 1969 وطوّر البرنامج الشهير LISREL الذي أصبح أساسًا في تحليل النماذج المعقدة.
في نفس الفترة، طور عالم الأحياء سيويل رايت (1918-1934) تحليل المسار، الذي سمح بفحص العلاقات المباشرة وغير المباشرة بين المتغيرات الملحوظة، وهو ما مهد الطريق لنمذجة العلاقات الأكثر تعقيدًا. تم دمج هذا النهج لاحقًا مع تحليل العوامل في نموذج موحد سُمي بـ نماذج المعادلات الهيكلية (SEM). جمعت SEM بين تحليل المسار وتحليل العوامل لتقديم قدرة شاملة على دراسة العلاقات بين المتغيرات الكامنة والملحوظة. منذ إصدار LISREL عام 1976 وحتى تطوير أدوات برمجية حديثة مثل AMOS وSmartPLS، شهدت SEM نموًا كبيرًا وأصبحت أداة رئيسية في العديد من المجالات الأكاديمية، خاصة العلوم الاجتماعية والسلوكية.
طرق نمذجة المعادلات الهيكلية
هناك طريقتان رئيسيتان لاستخدام نمذجة المعادلات الهيكلية:
1. نمذجة المعادلات الهيكلية القائمة على التباين (Covariance-based SEM):
تعتمد على مطابقة مصفوفة التباين (المصفوفة التي تمثل العلاقات بين المتغيرات) مع مصفوفة النموذج المفترض.
تُستخدم عادة في تحليل البيانات ذات العينات الكبيرة.
2. نمذجة المعادلات الهيكلية القائمة على المكونات (Component-based SEM):
تُعرف أيضًا باسم PLS-SEM (Partial Least Squares SEM).
تُركز على تعظيم التباين المفسر في المتغيرات التابعة وتُستخدم غالبًا في العينات الصغيرة أو النماذج المعقدة.
كيف نستفيد من نمذجة المعادلات الهيكلية؟
فهم الظواهر المعقدة بشكل أفضل: تساعد نمذجة المعادلات الهيكلية على التعامل مع النظريات المعقدة والبيانات المتعددة المتغيرات، مما يتيح تحليلًا دقيقًا للعلاقات بين المتغيرات الملحوظة والكامنة. على عكس الارتباطات البسيطة، تتيح SEM اختبار النماذج النظرية المعقدة بطريقة كمية ودقيقة.
التعامل مع أخطاء القياس: تأخذ SEM بعين الاعتبار أخطاء القياس أثناء التحليل الإحصائي، حيث تجمع بين المتغيرات الملحوظة والكامنة وتُدرج تأثير أخطاء القياس ضمن النموذج. هذا يعزز دقة وموثوقية النتائج المستخلصة.
التطور التقني في نماذج SEM: شهدت نماذج SEM تطورًا كبيرًا، مثل القدرة على تحليل البيانات متعددة المستويات أو تقييم الفروق بين المجموعات المختلفة. كما أصبح بالإمكان تضمين تأثيرات التفاعل ضمن النماذج، مما يمنح الباحثين أدوات متقدمة لتحليل الظواهر المعقدة.
سهولة استخدام البرمجيات الحديثة: أصبحت برمجيات SEM أكثر سهولة بفضل الواجهات الرسومية المستندة إلى Windows، حيث يمكن بناء النماذج باستخدام القوائم المنسدلة والبرامج التفاعلية. رغم هذه السهولة، يبقى التدريب الإحصائي ضروريًا لضمان الاستخدام الصحيح والدقيق لهذه الأدوات.
برامج نمذجة المعادلة الهيكلية الذكية
أولًا: برنامج SmartPLS
“SmartPLS “ برنامج متقدم وذكي يتمتع بواجهة رسومية سهلة الاستخدام ويُستخدم للنمذجة بالمعادلات الهيكلية (SEM) القائمة على التباين باستخدام طريقة النمذجة بالمسارات الجزئية الأقل تربيعًا (PLS-SEM). يدعم البرنامج تقدير النماذج بطرق متعددة مثل PLS-SEM الأساسي، WPLS، PLSc-SEM، والانحدار التجميعي.
الوظائف الرئيسية لـ”SmartPLS”
1. تقييم جودة النموذج: يشمل تقييم النموذج القياسي، سواء كان انعكاسيًا (Reflective) أو تكوينيًا (Formative)، عبر تحليل موثوقية العوامل، ومعايير الصلاحية مثل:
الموثوقية الداخلية: باستخدام معامل كرونباخ ألفا والموثوقية المركبة (الحد الأدنى 0.70).
الصلاحية التقاربية: تعتمد على معيار متوسط التباين المستخرج (AVE > 0.50).
الصلاحية التمييزية: باستخدام معيار Fornell-Larcker ونسبة HTMT.
2. تحليل النموذج الهيكلي: يتم في هذه المرحلة اختبار الفرضيات المقترحة عبر تحليل العلاقات المباشرة وغير المباشرة (الوساطة)، والتفاعلية (التعديل). وله من الميزات الإضافية ما يلي:
“تحليل المسارات المتعددة، تحليل الفئات الكامنة، نماذج متعددة المستويات، خرائط الأهمية والأداء، وتقييم الثبات عبر المجموعات المتعددة (Measurement Invariance).”
3. التوافق مع الأنظمة: بفضل برمجته بلغة Java، يتميز SmartPLS بإمكانية تشغيله على مختلف أنظمة التشغيل مثل Windows وMac، مما يجعله أداة مرنة ومتاحة للباحثين. ويأتي SmartPLS4، الذي أُطلق في عام 2022، كإصدار مُحسّن وبسيط لتقدير النماذج الهيكلية (SEM). ينقسم التحليل فيه إلى مستويين رئيسيين: الأول تقييم نموذج القياس للتحقق من جودة أدوات القياس من حيث الموثوقية والصلاحية، والثاني تقييم النموذج الهيكلي لتحليل العلاقات بين المتغيرات واختبار الفرضيات البحثية. بفضل هذه المزايا، أصبح SmartPLS4 أداة فعّالة للتعامل مع النماذج البسيطة والمعقدة، مما جعله خيارًا مفضلًا للباحثين في مختلف المجالات الأكاديمية.
ثانيًا: برنامج AMOS
برنامج AMOS هو أداة إحصائية متقدمة تُستخدم ضمن بيئة SPSS وتعمل على نظام ميكروسوفت ويندوز. يُعد اسم AMOS اختصارًا لـ “Analysis of Moment Structures” أي “تحليل بنية العزوم”، ويُستخدم بشكل أساسي في نمذجة العلاقات الهيكلية وتحليل البيانات المعقدة. يتكون البرنامج من جزأين رئيسيين:
Amos Graphics
يُتيح للمستخدم إنشاء النماذج الإحصائية بطريقة مرئية من خلال الرسوم البيانية، حيث يمكن تحديد المسارات والعلاقات بين المتغيرات بسهولة على الشاشة.
Amos Basic
يعتمد على كتابة الأوامر يدويًا باستخدام لغة برمجية مُخصصة تُعرف بـ Syntax، مما يتيح التحكم الدقيق في المدخلات وتحليل البيانات.
يوفر AMOS مجموعة من التحليلات الإحصائية المهمة التي تساعد الباحثين في دراسة العلاقات المتعددة بين المتغيرات، ومنها: تحليل بنية التباين (Covariance Structure Analysis) وتحليل المسار (Path Analysis)، التحليل العاملي التوكيدي (Confirmatory Factor Analysis – CFA) ، التحليل المتعدد للانحدار (Multiple Regression) وتحليل المتغيرات الكامنة (Latent Variable Analysis)، دعم تحليل العلاقات الخطية (Linear Structural Relations) والتعامل مع بيانات متعددة المستويات.
يتميز برنامج AMOS بعدة خصائص تجعله أداة قوية وفعالة في تحليل البيانات:
1. سهولة الاستخدام: يُتيح بناء النماذج الإحصائية بسهولة من خلال الرسم أو كتابة الأوامر (Syntax).
2. التعامل مع البيانات المفقودة: يمتلك استراتيجيات متقدمة للتعامل مع البيانات غير المكتملة.
3. دقة التقديرات: يُوفر تقديرات دقيقة للأخطاء المعيارية وفترات الثقة باستخدام استراتيجيات مثل Bootstrapping.
4. مرونة في التعامل مع المتغيرات: يقبل المتغيرات التصنيفية كمتغيرات تابعة ويختبر تأثير العوامل الوسيطة.
في الختام، تُعد نمذجة المعادلة الهيكلية الذكية (SEM) أداة لا غنى عنها للباحثين، حيث توفر تحليلًا دقيقًا للعلاقات المعقدة بين المتغيرات في مختلف المجالات العلمية. بفضل التطور البرمجي وسهولة الاستخدام، مثل SmartPLS وAMOS، أصبح بالإمكان بناء نماذج موثوقة تدعم اتخاذ القرارات بناءً على بيانات دقيقة.
بهذا يعزز ذلك من مصداقية الأبحاث العلمية ويشير ذلك نحو تمكين الأداة الذكية لفهم أعمق للظواهر المدروسة بفعالية وسرعة تنتظران التطوير.