لماذا يتوجب على كليات إدارة الأعمال تدريس الذكاء الاصطناعي

21

سامر الحجار

عبر التاريخ، لم يكن الوصول إلى رأس المال والتكنولوجيا والمعرفة بالسهولة التي يمتاز بها الأمر الآن. وهذا ما اختبرناه، خلال الثلاثين عامًا الماضية، عندما شهدنا أكبر تسارع عرفته البشرية على الإطلاق. وسيكون الذكاء الاصطناعي بلا شك محركًا لتسارع أكبر.

بينما يبدو من الواضح إمكانية استفادة الناس من الذكاء الاصطناعي، إلاّ إن هذا التحول يفرض أيضًا تحديات ملموسة على الشركات والموظفين والمعلمين والفلاسفة. ستحتاج جزء من القوى العاملة إلى إعادة تعريف وإعادة تأهيل من أجل العمل مع الذكاء الاصطناعي. وسيكون من الواجب أيضًا معالجة القضايا الأخلاقية والقانونية وتنظيمها من أجل تعزيز اعتماد الذكاء الاصطناعي في ظل أفضل الظروف. لذلك، إذا أردنا الحفاظ على العنصر البشري، الذي نحمل من خلاله المعرفة والذي يطوّر معرفتنا بالعالم وأنشطتنا المختلفة، فإن تدريس الذكاء الاصطناعي سيكون قضية رئيسية للتثاقف مع التكنولوجيا: يجب على البشر الاحتفاظ بذكائهم المحدد، ولكن من الضروري أيضًا فهم الذكاء التكنولوجي.

سعت دراسة حديثة أشرفتُ عليها إلى اكتشاف وجهات نظر طلاب كليات إدارة الأعمال ومعلمي التسويق والممارسين حول دمج الذكاء الاصطناعي (AI) في برامج تعليم التسويق. كما بحثت الدراسة في الدوافع التي تتوقع اهتمام طلاب التسويق بأخذ دورات الذكاء الاصطناعي.

أظهرت نتائج هذه الدراسة أهمية تضمين الذكاء الاصطناعي في مناهج التسويق. يمكن أن تلعب النتائج أيضًا دورًا مهمًا في تحفيز طلاب التسويق لدخول مجال التسويق بالذكاء الاصطناعي، خاصة مع تزايد الطلب على التسويق الرقمي.

أهمية المواكبة

نظرًا لإمكانية أن يستفيد الطلاب والممارسين من الذكاء الاصطناعي، يجب على الأساتذة أيضًا مواكبة أحدث التقنيات والابتكارات. يتطور الذكاء الاصطناعي بوتيرة خاطفة، ومن الصعب مواكبة أحدث المعلومات عنه. بحلول الوقت الذي يتم فيه تأليف الكتاب ومراجعته ونشره، قد يكون المحتوى قد أضحى قديمًا بالفعل. ولكن هناك توازن ضعيف بين مواكبة الاتجاهات الحالية وملاحقة تلك الاتجاهات. تعد الشراكة مع الشركات التي ستوظف الطلاب في المستقبل طريقة أساسية لمعالجة الأسس التقنية للتسوق من خلال الذكاء الاصطناعي. إنها طريقة للتأكد من أن المعلمين يقومون بتدريس المهارات اللازمة لتحقيق النجاح في السوق.

بالنسبة لمدرّسي التسويق، من الضروري التفكير في التأثير المتزايد للذكاء الاصطناعي في التعليم. إذا ما كانوا معلمين قادرين على الإبتكار، فإنهم يستخدمون بالفعل مواد جديدة للتدريس بشكل مختلف. يجب أن يستمر معلمو التسويق في تطوير قدراتهم ومهاراتهم، والتي تزداد قيمة بالنسبة لطلابهم. يجب أن تمكّن الدورات التي يقدمها معلمو التسويق الطلاب من التفاعل مع أشكال مختلفة من الذكاء الاصطناعي، والمشاركة في المناقشات، ومشاهدة مقاطع الفيديو، وحتى إنشاء أشياء مثل روبوتات الدردشة والمُيسرين الافتراضيين. يمكن أن يؤدي تتويج الدورات التدريبية إلى جعل المشاركين يصممون مشاريع قائمة على حاجة السوق.

يعتبر الانتشار الحالي للذكاء الاصطناعي نتيجة لثلاثة عوامل: قوة الحوسبة المتاحة، وإمكانية الوصول إلى البيانات، وتطوير منتجات وحلول الذكاء الاصطناعي. لكن التوافر التكنولوجي ليس سوى اللبنة الأولى لتنفيذ واسع النطاق لم يتم تحديده بعد. إذا ما لاحظنا النمو الهائل في الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي، فهذه علامة على التجريب أكثر من كونها علامة على طفرة عامة حقيقية. تبنت آلاف الشركات حول العالم أنظمة ذكاء اصطناعي، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم في المستقبل القريب.

 أعجبتك القصة؟

يعتقد التنفيذيون أن الذكاء الاصطناعي سيحدث ثورة في طريقة تفاعل الشركات مع العملاء وجمع المعلومات منهم. علاوة على ذلك، فإن الوقت المتاح للمؤسسات لتبني الذكاء الاصطناعي دون المخاطرة بالتلاشي أمام المنافسين قصير للغاية. في مواجهة هضبة الإنتاجية التي تواجهها العديد من الصناعات، يُعد الذكاء الاصطناعي أيضًا وسيلة للبقاء قادرين على المنافسة وقابلة للتطبيق. وبالتالي، وبهدف تشكيل خبراء الذكاء الاصطناعي في المستقبل وتوفير التمثيل الصحيح للمبتدئين، يُعد تدريس المجال أمرًا بالغ الأهمية.

مع تطور المجتمع بسرعة، من الصعب التنبؤ بحجم التحديات التي تواجه الشباب في العقود القادمة. ومع ذلك، من الواضح أن تطوير مهارات حل المشكلات المعقدة، حيث تلعب المعرفة حول الذكاء الاصطناعي دورًا مهمًا، سيكون أمرًا ضروريًا في التعليم في القرن الحادي والعشرين.

دورات مكملة لا بديلة

يعتبر تعلم الذكاء الاصطناعي، وإن لم يكن الطريقة الوحيدة لتطوير التفكير الإبداعي، وسيلة مثيرة للاهتمام لتحقيق ذلك. في الواقع، أصبح تدريس الذكاء الاصطناعي، في السنوات الأخيرة، مصدر قلق في العديد من كليات إدارة الأعمال. تعود الفكرة إلى التسعينيات، لكنها كافحت لتشق طريقها لعدة أسباب، بما في ذلك التكاليف. حاليًا، يقتصر تعليم الذكاء الاصطناعي عمومًا على الأنظمة المتسلسلة أو الإجرائية أو النهائية، وغالبًا ما تستخدم أدوات بصرية عالية. ومع ذلك، يجب أن تكون هذه نقطة البداية فحسب لتطبيق قوي في مناهج الأعمال، إما كموضوع جديد أو كجزء من دورات الأعمال. لا يلغي هذا الحاجة إلى دورات إدارة الأعمال التقليدية على الإطلاق. ستظل الدورات التقليدية دائمًا أداة أساسية، حتى لو كانت فقط لتصور ما هو مجرد في بعض الأحيان. علاوة على ذلك، يجب أن يكمل النهجان بعضهما البعض.

حاليًا، هناك فجوة بين العالم الأكاديمي وبقية المجتمع. يتطور المجتمع ويأخذ منعطفًا رقميًا بوتيرة تجعل كليات إدارة الأعمال تستمر في النضال لمواكبة ذلك. يعتبر ظهور تقنيات الهاتف المحمول مع إمكانية الوصول إلى الإنترنت مثالاً لا يزال يثير الجدل. ومع ذلك، تبدو المناقشات حول دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم بعيدة المنال بالنسبة للكثيرين. ومع ذلك، ونظرًا لكون الذكاء الاصطناعي يشغل مساحة أكبر وأكثر في حياتنا اليومية، لا تستطيع كليات إدارة الأعمال تجاهل الأمر. بالطبع، لا يعني هذا أن كل شيء موجود خارج كليات إدارة الأعمال يجب أن ينتهي بالضرورة بداخلها، ولكنه سيتطلب من المعلمين تقييم كل تطبيق من تطبيقات الذكاء الاصطناعي بحسب إمكانياته. إن مسألة ترك الطلاب يتزودون بهذه التقنيات بعد مغادرتهم للجامعة فقط أمرًا مشكوكًا فيه للغاية.

من ناحية أخرى، من الضروري التأكد من أن هذا الإطار يتم وفق كل المعلومات المرتبطة به. إن مسألة دور نظام التعليم في استملاك التقنيات باستخدام الذكاء الاصطناعي وثيقة الصلة بالموضوع، لا سيما في أبعادها الأخلاقية. من الضروري تدريب الأساتذة حتى يتمكنوا من اتخاذ خيارات تعليمية مستنيرة وإجراء مناقشات حول القضايا الأخلاقية.

يجب أن ندرك أخيرًا أن الذكاء الاصطناعي بعيد عن أن يحل محل الذكاء البشري في الوقت الحالي وأنه من الصعب تقدير مدى تطور الذكاء الاصطناعي في المستقبل. تتراوح التوقعات من تطبيق محدود للذكاء الاصطناعي في العقود القادمة إلى تحقيق التفرد التكنولوجي – نقطة افتراضية يتفوق فيها ذكاء الكمبيوتر على الذكاء البشري – في أفق قريب نسبيًا. ستكون هذه التفرد نقطة لا عودة، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يطور نفسه بشكل كبير، مما يهدد بتقويض السيطرة التي قد يمتلكها البشر عليه.

اترك رد

Your email address will not be published.