الإبستمولوجيا الاصطناعية: فهم المعرفة في سياق الذكاء الاصطناعي

8

AI بالعربي – متابعات

  تلعب الإبستمولوجيا، أو نظرية المعرفة، دورًا محوريًا في بناء فهم عميق للعالم عبر دراسة أسس المعرفة البشرية وطرق تبريرها وحدودها. بفضل هذا العلم، يتمكن الأفراد من التمييز بين الحقائق والفرضيات، ووضع معايير واضحة لتحديد المعرفة الحقيقية مقارنة بالمعتقدات غير المبررة، مما يعزز قدرتهم على التعامل مع تعقيدات الحياة المتزايدة. ومن خلال أدوات الإبستمولوجيا، يتاح للإنسان توجيه استنتاجاته واتخاذ قرارات واعية مبنية على معرفة دقيقة، تساعده في مجالات متعددة كالعلم والتكنولوجيا.

ومع تطور الذكاء الاصطناعي، برزت أهمية الإبستمولوجيا الاصطناعية، وهو فرع متخصص يسعى إلى تمكين الآلات من محاكاة العمليات المعرفية البشرية. تهدف الإبستمولوجيا الاصطناعية إلى بناء نماذج معرفية تسمح للذكاء الاصطناعي بفهم العالم من حوله واستنتاج قرارات منطقية قائمة على معرفة متراكمة، مع القدرة على التعلم من التجربة. وتساهم هذه الجهود في تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي تعزز قدرتها على التفاعل والفهم بشكل مشابه للفكر البشري، مما يتيح للبشر الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في اتخاذ قرارات دقيقة ومدروسة، وبناء علاقة تكاملية بين المعرفة البشرية والتكنولوجيا الذكية.

مفهوم المعرفة

تعد المعرفة كل ما يشمل الإدراك والوعي وفهم الحقائق عن طريق العقل المجرد أو بطريقة اكتساب المعلومات بإجراء تجربة وتفسير نتائج التجربة أو تفسير خبر، أو من خلال التأمل في طبيعة الأشياء وتأمل النفس أو من خلال الاطلاع على تجارب الآخرين وقراءة استنتاجاتهم.

أنواع المعرفة

  • المعرفة الشخصية

تعتمد على الخبرات الذاتية والتجارب الفردية، التي يكتسبها الفرد عبر الاطلاع والممارسة. يتطلب اكتساب هذا النوع من المعرفة المرور بتجارب شخصية، مما يجعل التعلم واكتساب المعرفة أمرًا يعتمد على الممارسة والتفاعل مع التجارب الفعلية.

  • المعرفة الإجرائية

هي القدرة على إنجاز مهمة معينة أو أداء عمل محدد من خلال الإلمام بالمبادئ والنظريات التي يستند إليها هذا العمل. ورغم أن الفرد قد يكون على علم تام بنظريات نشاط معين، إلا أن المعرفة الإجرائية تتطلب القدرة على التطبيق العملي والتجربة الفعلية حتى تصبح المعرفة مكتملة.

  • المعرفة الافتراضية

تتعلق بالحقائق والمعطيات التي يتم استيعابها ودراستها بعمق. وهذا النوع من المعرفة يحظى بأهمية كبيرة في الفلسفة، إذ يعتمد على دراسة الافتراضات التي تصف الوقائع، وبالتالي يمكن اعتباره مرجعًا للمعرفة “الحقيقية” عن الواقع.

طرق اكتساب المعرفة

  • الطريقة التجريبية: يؤكد الفلاسفة التجريبيون أن المعرفة تُكتسب عبر الملاحظة والتجربة الحسية.
  • الطريقة العقلانية: يرى الفلاسفة العقلانيون أن المنطق هو الأداة الأساسية للوصول إلى المعرفة، حيث يتم الاستنتاج واستخلاص الحقائق من خلال الافتراضات والبراهين العقلية.
  • الطريقة التاريخية: يمكن الحصول على المعرفة من خلال دراسة التاريخ؛ فهو مصدر ثمين لفهم حياة البشر منذ فجر الإنسانية.

اتجاهات ومذاهب المعرفة

المذهب العقلي: يعتقد أن العقل هو المصدر الأساسي للمعرفة وأنه يكفي للوصول إلى الحقائق دون الحاجة إلى التجربة.

المذهب التجريبي: يعارض المذهب العقلي ويؤكد أن التجربة هي السبيل الرئيسي لاكتساب المعرفة، ويرفض تمامًا المبادئ العقلية المجردة. ويعد جون لوك من أبرز رواد هذا الاتجاه.

المذهب الحدسي: أسسه الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون، ويرى أن العقل ليس المصدر الأمثل للمعرفة، وأن الحدس والتجربة الوجدانية هما الأساس الأصدق للمعرفة.

المذهب البراغماتي: يرى هذا المذهب أن المعرفة يجب أن تؤدي إلى نتائج عملية وفعالة. وتشارلز ساندرز بيرس هو أول من استخدم مصطلح البراغماتية، ويعود له الفضل في تطوير هذا الاتجاه.

مفهوم الإبتسمولوجيا

الإبستمولوجيا، أو نظرية المعرفة، هي فرع من الفلسفة يركز على دراسة المعرفة ومقوماتها الأساسية، ويتناول أسئلة جوهرية حول طبيعة المعرفة وكيفية اكتسابها وتبريرها، ومن أشهر علمائها أفلاطون وأرسطو.

يعود المصطلح “الإبتسمولوجيا” إلى الكلمة اليونانية Episteme التي تعني “المعرفة”، وLogos التي تعني “السبب” أو “الحجة”، مما يجعلها بمثابة تحليل منهجي لأسس المعرفة البشرية وكيفية تمييزها عن المعتقدات غير المبررة.

أهمية الإبستمولوجيا

  • وضع أسس منهجية لتحليل وتبرير الاعتقادات بما يسهم في بناء فهم عقلاني ومتماسك للعالم.
  • السعي لإيجاد نظريات دقيقة وقابلة للدفاع عنها من مختلف الجوانب الفكرية.
  • توسيع آفاق البحث الفلسفي إلى حدود معرفية يصعب على الأشخاص العاديين الوصول إليها.

مهام عالم الإبستمولوجيا

  • تحديد طبيعة المعرفة: يتضمن ذلك فهم ما يعنيه أن يعرف الفرد شيئًا، والتمييز بين الحالات التي يعرف فيها شيئًا وتلك التي لا يعرف فيها، حيث تعد هذه الأسئلة من التحديات الجوهرية التي تتطلب إجابات دقيقة.
  • تحديد مدى المعرفة البشرية: يشمل هذا القسم تحديد نطاق وحدود المعرفة البشرية، إضافةً إلى فهم الوسائل المختلفة لاكتساب المعرفة مثل العقل، والحواس، وإفادات الآخرين، ويثير هذا بدوره أسئلة حول حدود معرفتنا بما هو مجهول.

المعرفة في عهد الذكاء الاصطناعي

في ظل التطورات الهائلة في الذكاء الاصطناعي، أصبحت الإمكانيات الجديدة متاحة لتطبيقات متعددة في مختلف المجالات العلمية، مثل مجال الكيمياء العضوية. ويعتبر تحدي تخطيط التخليق الكيميائي المعقد متعدد الخطوات من أبرز المجالات التي قد تستفيد من الذكاء الاصطناعي، نظريًا؛ لأنه يمكن أن يوفر مسارات تخليقية بديلة أو يساعد في تحسين التخليق الكيميائي التقليدي. ورغم ذلك، لم تصل أدوات تخطيط التخليق المعتمدة على الذكاء الاصطناعي وحده إلى المستوى المتوقع؛ إذ تبين أن أداء هذه الأدوات يعتمد بشكل كبير على الخوارزميات “الهجينة” التي تجمع بين الذكاء الاصطناعي والمعرفة البشرية العميقة.

بحسب دراسة Artificial Intelligence for Retrosynthetic Planning Needs Both Data and Expert Knowledge المنشورة في مجلة Journal of the American Chemical Society عام 2024، لا يقتصر سبب هذا التأخر في الأداء على نقص البيانات الخاصة بالتفاعلات الكيميائية، بل يرتبط كذلك بتعقيدات خاصة بمجال التخليق الكيميائي. وتوضح الدراسة أن البيانات الكيميائية المتوفرة غالبًا ما تكون مشوبة بانحيازات تحد من قدرة الذكاء الاصطناعي على التعميم، مما يؤدي إلى نتائج غير دقيقة عند تطبيقها على تخليقات جديدة. هذا النقص في جودة البيانات يمثل عائقًا أمام الذكاء الاصطناعي، ومن هنا تظهر أهمية إشراك الخبراء الكيميائيين الذين يمتلكون رؤى عميقة حول الأنماط التخليقية.

ولهذا السبب، يرى الباحثون أن دمج الذكاء الاصطناعي مع المعرفة البشرية أمر ضروري للتغلب على هذه التحديات؛ فمن خلال مساهمة العلماء والخبراء في توجيه وتطوير هذه النماذج الذكية، يمكننا تجاوز الصعوبات المرتبطة بالبيانات المحدودة وتجنب الانحيازات التي تؤثر سلبًا على أداء الذكاء الاصطناعي، ما يعزِّز من دقة النماذج ويزيد من موثوقيتها، فتنفتح رؤية مستقبلية على ابتكارات مُبشِّرة تعمل على تحسين التوجهات نحو تخليقات جديدة أكثر كفاءة وتخصصًا.

اترك رد

Your email address will not be published.