صناعة الروبوت ضرورة عاجلة
د. حاتم عبدالمنعم
انتشر تعليم واستخدام الروبوت في مختلف مجالات الحياة وكانت أزمة كورونا سببًا جديدًا في تزايد استخدام الروبوت وتعجيل انتشاره، ويوجد فعلًا في مصر بعض كليات الهندسة تقوم بتدريسه فعلًا، والعام الماضي ابتكر أحد الطلاب في مصر روبوتًا لتسليم أوراق الأسئلة والإجابة للطلاب ثم جمعها في نهاية الامتحان.
كما يوجد بعض الجهود في مجال صناعته بمصر، والمطلوب خطة قومية شاملة لنشر تعليمه وتصنيعه على أوسع نطاق؛ لأنه أصبح من أهم مجالات التوسع في معظم دول العالم، وعلى سبيل المثال الصين – وهي أكبر اقتصاد في معدلات النمو خلال العقدين الماضيين – بلغت نسبة الاستثمار في صناعة الروبوت نحو 25% من جملة الاستثمارات، ولذلك تصدر الصين وحدها ثلث الإنتاج العالمي في مجال الروبوت، وتأتي ألمانيا بعد الصين في مقدمة دول العالم اهتمامًا بتعليم وتصنيع الروبوت؛ وذلك بسبب دخول الروبوت واستخداماته في معظم مجالات الحياة.
وبلغت قيمة الاستثمارات في مجال الروبوت عام 2018 نحو 36 مليار دولار، وأصبح الروبوت عنصرًا أساسيًا في كل مجالات الحياة تقريبًا بداية من الأعمال الخطرة في البناء والحفر وإبطال مفعول القنابل إلى استخدامه في حالات الكوارث والفيضانات والزلازل إلى الطائرات المسيرة وأعمال القتال وإطفاء الحرائق وكافة الأعمال الخطرة والصعبة، بجانب أدوار رجال المرور وتنظيم الطرق ورصد المخالفات.
وكل ما سبق أعمال صعبة قام بها بدلا عن الإنسان، ولكن الأخطر دخوله لكافة المجالات الأخرى؛ بداية من أعمال الحسابات والبنوك إلى أعمال المحاماة والتعليم، ثم القيام بالفحوصات والتحاليل الطبية وإجراء العمليات الجراحية، ثم في المجال الاجتماعي؛ فهناك الآن عروس تحاكي المرأة، وعريس يحاكى الرجل على درجة كبيرة من الإتقان لدرجة أن بعض الخبراء يتوقع انتشار الزواج من الروبوت، وأن تصل نسبته إلى نحو 50% من الزيجات في إنجلترا بعد نحو عشر سنوات، وفى مجال المحاماة وصلت كفاءة الروبوت المحامي الآن إلى 90%؛ مما يعني الاستغناء عن نحو 90% من المحامين، وبالطبع الروبوت يعمل 24 ساعة ولا يتغيب عن العمل أو يطالب بزيادة مرتبات فهو أقل كثيرًا في التكلفة فمثلًا مكتب محام كبير لو كان لديه عشرة محامين لن تقل عدد حجراته عن خمس، فيمكنه الاستغناء عن تسع محامين في مقابل شراء أربعة روبوتات تعمل 24 ساعة؛ بما يوازي عمل 12 محاميًا، ويمكن وضعهم جميعًا في حجرة واحدة.
الخلاصة الروبوت قادم؛ بل دخل حياتنا فعلا فهل نحن مستعدون لذلك، وبرغم وجود جهود مصرية سواء في مجال تعليمه أو صناعته؛ لكن القضية تحتاج لرؤية شاملة على المستوى القومي، وخاصة في مجالي التعليم والتصنيع؛ فمن حيث التعليم نجد في المرحلة الثانوية أكثر من 40% من مجموع الطلاب يلتحقون بالقسم الأدبي ويليه قسم العلوم وأقل الأقسام الآن قسم الرياضيات بنحو 20% فقط من عدد طلاب المرحلة الثانوية الذين يحق لهم الالتحاق بكليات الهندسة والمطلوب العكس تمامًا؛ لأنه إذا كانت نسبة الاستثمار في الروبوت تمثل نحو 25% من جملة الاستثمارات، فمن المتوقع أن يكون نسبة العاملين في هذا المجال في ازدياد كبير وسيمثلون النسبة الأكبر من العاملين، وهذه مشكلة كبيرة.
ثم بالنسبة للتعليم الجامعي نجد إحصاءات العام الماضي توضح أن كليات التجارة استقبلت نحو 82 ألف طالب، والحقوق 42 ألف طالب، والآداب 67 ألف طالب، وكليات الهندسة نحو 17 ألف طالب، ومعظم كليات الهندسة أيضًا لا تعمل في مجال الروبوت إلا الحديث منها، هذا غير الكليات الأخرى والمعاهد.
والمطلوب تكوين لجنة علمية متخصصة لدراسة احتياجات مصر المستقبلية في ضوء مستجدات العصر ووضع النسب والأعداد المطلوبة في مختلف التخصصات الجامعية، وهذا يستلزم إستراتيجية بعيدة المدى تبدأ من أعداد ونسب المقبولين في المرحلة الثانوية والتوزيع على الأقسام وزيادة حصة قسم الرياضيات على حساب التخصصات الأدبية، ثم الاهتمام بـ المدارس الثانوية الصناعية للعمل في هذا المجال والصيانة وخلافه، ثم إنشاء مزيد من أقسام الروبوت في كليات الهندسة وكليات جديدة في هذا المجال في كافة الجامعات وهناك هنا مشكلة اجتماعية في إقناع القطاع العريض من الطلبة وتشجيعهم على الالتحاق بقسم الرياضيات في المرحلة الثانوية، ثم بكليات الهندسة المتخصصة في المرحلة الجامعية.
وهنا دور كافة وسائل الإعلام في التوعية يجانب المقررات والمناهج الدراسية في المراحل المدرسية؛ لنشر الوعي مع الحوافز المختلفة، وأعتقد بمجرد فتح مزيد من كليات الهندسية ، وزيادة أعداد الطلاب المقبولين سوف يؤدي ذلك لزيادة الإقبال مع انخفاض المجموع لزيادة الأعداد المقبولة.
ويبقى مجال التصنيع وهو أساسًا مسئولية الدولة مع تشجيع القطاع الخاص، وكل ما سبق سيحتاج لسنوات طويلة تبدأ من التعليم الثانوي ومن هنا أهمية السرعة في الدراسة والتخطيط للدخول بقوة في مجالات الروبوت المختلفة وتبقى مشكلة البطالة الناتجة عن انتشار الروبوت، وللأسف معظمها سوف يكون على حساب محدودي العلم والقدرات، وسوف يكون هناك أعداد كبيرة ليس لها عمل كيف نتعامل مع هذه المشكلة وما يترتب عليها من انتشار الفقر والجريمة، وغياب الرؤية، وهذا سيكلفنا الكثير؛ لأن البقاء للأقوى علميًا وتكنولوجيًا، ومن هنا أهمية البحث العلمي و العلماء.. والله المعين.