الذكاء الاصطناعي بين مخاطر الاستهلاك وقدرات التطوير

8

AI بالعربي – متابعات

تتناول وسائل الإعلام العالمية ومواقع الإنترنت المختلفة، خلال الأسابيع الأخيرة، معلومة تفيد بأن الذكاء الاصطناعي التوليدي يستهلك طاقة تفوق تلك التي يستهلكها محرك بحث تقليدي بمقدار 30 مرة، وذلك وفقًا لتحذيرات علمية موثوقة. أثار هذا الأمر نقاشات حول درجة الوعي والتأثير البيئي لهذه التكنولوجيا الجديدة. ومن هنا، يمكن أن ينتاب القلق بشأن آثار الذكاء الاصطناعي على استهلاك الطاقة، وتأثيره على جهود الاستدامة.

كفاءة الذكاء الاصطناعي

يُعرَّف الذكاء الاصطناعي بأنه القدرة على اتخاذ القرارات والتصرف بذكاء من خلال محاكاة طرق تفكير البشر، مما يعني أن هذا التقدم التكنولوجي يمكن أن يُحسِّن كفاءة العمليات ويزيد من دقة النتائج في مجالات متنوعة. يتجاوز الذكاء الاصطناعي كونه مجرد أداة تقنية؛ فقد أصبح جزءًا أساسيًا من حياة الناس اليومية، بدءًا من المساعدات الصوتية في الهواتف الذكية وصولًا إلى أنظمة التوصية في منصات التسوق عبر الإنترنت.

هذا التقدم التكنولوجي لا يُعزّز فقط من إنتاجية الشركات، بل يسهم أيضًا في إحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية واسعة. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة تفوق قدرة البشر، مما يسهل اتخاذ قرارات مستندة إلى معلومات دقيقة وموضوعية. كما أنَّ تطبيقاته تمتد إلى مجالات مثل الرعاية الصحية، حيث يمكن أن يساعد في تشخيص الأمراض وتقديم علاجات مخصصة، وأيضًا في مجال النقل من خلال تطوير السيارات الذاتية القيادة.

تحدِّيات تواجه الذكاء الاصطناعي

ومع ذلك، يأتي هذا التطور مع تحدياته الخاصة، مثل القلق بشأن الخصوصية والأمان، بالإضافة إلى التأثيرات المحتملة على سوق العمل. بينما يسعى الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة، يتعين على المجتمعات مواجهة الآثار الجانبية، بما في ذلك فقدان بعض الوظائف التقليدية، مما يستدعي ضرورة إعادة تدريب القوى العاملة لتتكيف مع هذا الواقع الجديد. لذلك، يُعدًّ فهم الذكاء الاصطناعي واستغلال إمكاناته بشكل مسؤول أمرًا ملحًا لتحقيق توازن بين الفوائد والتحديات المصاحبة له، خاصةً عندما تمس هذه التحديات مجالات حفظ الطاقة والاستدامة.

أزمة على طريق التطوير

رغم التزام “مايكروسوفت” و”جوجل” بتحقيق الحياد الكربوني بحلول نهاية العقد الحالي، فإن الشركتين الأميركيتين واجهتا تحديات كبيرة في هذا المسار. فقد شهدتا زيادة ملحوظة في انبعاثاتهما من غازات الدفيئة في عام 2023. وتشير التقارير إلى أن “جوجل” سجلت زيادة بنسبة 48% في انبعاثاتها مقارنة بعام 2019، بينما ارتفعت انبعاثات “مايكروسوفت” بنسبة 29% مقارنة بعام 2020. وتعكس هذه الأرقام تأثير الانتشار السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، التي تتطلب موارد طاقة هائلة، مما يجعل التوجه نحو تحقيق الحياد الكربوني أكثر تعقيدًا.

تتفاقم أزمة المناخ بشكل متسارع، مما يزيد من خطورة الوضع. فزيادة انبعاثات الكربون الناتجة عن تقنيات الذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى تفاقم آثار التغير المناخي، مثل: ارتفاع درجات الحرارة، وذوبان الأنهار الجليدية، وارتفاع منسوب البحار، مما يهدد النظم البيئية والمجتمعات البشرية على حد سواء. كما أن عدم التوازن بين الابتكارات التكنولوجية والالتزامات البيئية قد يقوض الجهود الدولية لمواجهة التغير المناخي. لذا، يتعين على الشركات الكبرى مثل “مايكروسوفت” و”جوجل” إعادة تقييم استراتيجياتها لضمان أن تكون حلولها الرقمية مستدامة بيئيًا، وتسهم في الحفاظ على كوكب الأرض للأجيال القادمة.

يتوافق هذا الرأي مع دراسة نُشرت في دورية “Science Direct” عام 2021 حول “تطبيق الذكاء الاصطناعي في توقع أداء مجتمع الطاقة النظيفة”. أوصت الدراسة بضرورة تنفيذ مقترح الشبكات العصبية الاصطناعية (ANNs) لتصميم ومحاكاة مجتمع الطاقة النظيفة (CEC)، الذي يعتمد على نظام هجين يجمع بين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ويرتبط بأنظمة تخزين الطاقة ومحطات الشحن لتلبية الاحتياجات المتزايدة.

رؤى طموحة حول استدامة الطاقة

لكن بخلاف هذا العرض، يشير تقرير منشور بعنوان “تحسين إنتاج الطاقة النووية باستخدام الذكاء الاصطناعي”، على موقع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، إلى وجود توقعات وآمال تدعو إلى رؤى طموحة بشأن تحسين استهلاك الطاقة والحد من انبعاثات الكربون. وذلك من خلال التطبيقات المحتملة للذكاء الاصطناعي في محطات الطاقة النووية الكبيرة. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز الكفاءة وضمان إمدادات ثابتة من الكهرباء عن طريق تعديل توليد الطاقة استنادًا إلى بيانات آنية، مثل طلب المستهلكين والطقس وأداء المعدات.

في مجال استدامة الطاقة، تُحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل الرؤية الحاسوبية، تحولًا كبيرًا في قطاع الطاقة المتجددة. إذ تسهم هذه التقنيات في تحليل واستخراج معلومات قيمة من الصور ومقاطع الفيديو. وتستخدم الرؤية الحاسوبية الخوارزميات ونماذج التعلم العميق لمساعدة الآلات على تفسير البيانات المرئية وفهمها، مما يجعل عمليات الطاقة المتجددة أكثر كفاءة وموثوقية وفعالية من حيث التكلفة.

الفحص الآلي للمعدات: يمكن للفحص الآلي للمعدات أن يكتشف الأعطال مبكرًا ويحدد الحاجة للصيانة، مما يساعد على جدولة الصيانة في الوقت المناسب. هذه العملية تمنع الأعطال المكلفة وتحسن من أداء أنظمة الطاقة المتجددة.

التنبؤ بتوليد الطاقة: تتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي التنبؤ بتوليد الطاقة من مصادر مثل الشمس والرياح. يمكن لهذه التنبؤات أن تسهم في إدارة شبكة الطاقة بشكل أفضل، مما يؤدي إلى استغلال موارد الطاقة بشكل أكثر فعالية.

التحسين وتحديد الهوية: تساعد الرؤية الحاسوبية في تحسين استخدام الطاقة في المباني، وتحديد الألواح الشمسية التالفة، مما يزيد من كفاءة أنظمة الطاقة المتجددة. هذه التطبيقات تسهم في تقليل الفاقد من الطاقة وتحسين العائدات.

التكاليف الأولية المرتفعة: يتطلب تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي والرؤية الحاسوبية استثمارًا أوليًا كبيرًا في كل من الأجهزة والبرمجيات. وقد تشكل هذه التكاليف عائقًا أمام بعض الشركات التي تسعى لتبني هذه التكنولوجيا.

الاعتماد على جودة البيانات: تعتمد فعالية أنظمة الرؤية الحاسوبية بشكل كبير على جودة وكمية البيانات التي يتم تدريبها عليها. إذا كانت البيانات غير دقيقة أو غير كافية، فإن ذلك قد يؤثر سلبًا في أداء النظام.

صعوبة التكامل مع الأنظمة القديمة: في كثير من الأحيان، قد يكون من الصعب دمج الآلات الجديدة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في بيئة صناعية تحتوي على أنظمة قديمة. هذا التحدي يتطلب تخطيطًا دقيقًا وموارد إضافية لضمان تكامل سلس.

التطبيقات العملية: مع وضع الفوائد والعيوب في الاعتبار، يمكن استكشاف بعض التطبيقات العملية للرؤية الحاسوبية في قطاع الطاقة المتجددة، مثل: تحسين الكفاءة التشغيلية، وتحليل بيانات الأداء لتحسين استدامة الطاقة.

شركات حول العالم تدمج الذكاء الاصطناعي بالطاقة النظيفة

سمارت هيليو: شركة سويسرية ناشئة متخصصة في تشخيص مشكلات مزرعة الطاقة الشمسية عن بُعد. تقوم الشركة بالتنبؤ بالأعطال وتقديم حلول فورية باستخدام الذكاء الاصطناعي، مما يسهم في تحسين أداء النظام الشمسي وزيادة عمره الافتراضي.

إنفور: شركة دنماركية ناشئة تستخدم الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بإنتاج الطاقة المتجددة واستهلاكها وتحسينها بناءً على بيانات الطقس والتضاريس والمصانع، مما يقلل من هدر الطاقة والبصمة الكربونية.

نوفا إنوفيشن: تحت قيادة الاتحاد الأوروبي، تعتمد شركة نوفا إنوفيشن على الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة توربينات المد والجزر وتسريع تسويق طاقة المد والجزر، مما يوفر خيارًا منخفض الكربون.

سولافيو: شركة هندية ناشئة تقدم حلول تنظيف ذاتية تعتمد على الذكاء الاصطناعي للألواح الشمسية، وتحسين جداول التنظيف، وتحسين الكفاءة لخفض البصمة الكربونية لإنتاج الطاقة الشمسية.

ختامًا، ليس الهدف الأساسي للذكاء الاصطناعي هو إقامة مجتمعات خضراء أو الحد من الانبعاثات الكربونية، رغم أن ذلك يعد من أولوياته. الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كان هذا الهدف سيعترض طريق التطوير، أم سيكون هناك نهج آخر لمعالجة القضية.

 

اترك رد

Your email address will not be published.