الذكاء الاصطناعي والعمل الخيري.. هل تنجح الخدمة التطوعية الجديدة من أجل العالم؟

9

AI بالعربي – متابعات

يشهد العمل الخيري تطورًا ملحوظًا مع التقدم التكنولوجي، ويعد الذكاء الاصطناعي من الأدوات الحديثة التي بدأت تؤدي دورًا مهمًا في تعزيز كفاءة وفعالية الجمعيات الخيرية والمؤسسات التطوعية. من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، يمكن لهذه المؤسسات تحليل البيانات الكبيرة واتخاذ قرارات أكثر دقة وسرعة، مما يسهم في تحسين توجيه الموارد وتقديم المساعدات بشكل أكثر فعالية. 

بالفعل، يتيح الذكاء الاصطناعي فرصًا جديدة لتقديم حلول مبتكرة في مجال خدمة المجتمعات المستفيدة، حيث يساعد في تحسين عمليات التواصل والتفاعل، بالإضافة إلى تطوير استراتيجيات مستدامة تحقق أهداف العمل الخيري بشكل أكثر شمولاً.

سدايا وإحسان.. مستقبل العمل الخيري بذكاء

تواصل مؤسسة “سدايا”، التي تهتم بشؤون البيانات والذكاء الاصطناعي في المملكة، تقديم إطار شامل في هذا المجال. وقد أبرمت شراكة مع منظومة “إحسان” الخيرية، التي تركز على دعم الأعمال التنموية وتعزيز الدور الريادي للمملكة. ونجح الطرفان في تنفيذ آلية فعّالة للذكاء الاصطناعي من خلال خدمة “الاشتراكات الإبداعية”، التي تتيح للمستخدمين التبرع بمبالغ متنوعة عبر إرسال أرقام محددة، مما يُحدد شرائح الدفع والتحويل تلقائيًا من أرصدة مكالمات الهواتف المحمولة بمجرد الاشتراك. وقد أسهمت هذه الخدمة في توفير مبالغ كبيرة لصالح الوقف الخيري “وقف إحسان”، المعني برعاية المرضى والأيتام وسقيا الماء، حيث تم جمع أكثر من مليون ريال سعودي من أصل المستهدف البالغ 3,557,798,140 ريالًا.

تعمل “سدايا” – أيضًا – بجهد على ترسيخ نظام الذكاء الاصطناعي لتعزيز مساهمات القطاع غير الربحي في إجمالي الناتج المحلي. وتهدف إلى توفير 97 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2025، ما سيوفر مصادر دخل للعديد من الأسر والشباب داخل المملكة. كما تدعم العمل الخيري من خلال عدة مجالات، مثل إتاحة الإبلاغ عن أي حالات ابتزاز أو فساد مالي أو إداري، فيُسهم ذلك بدوره في تحسين الشفافية والمصداقية وأسس الخير.

البحرين أحدث التجارب  

في أحدث التجارب، أقامت لجنة الأنشطة والابتكار بجمعية البحرين الخيرية ندوة بعنوان “استثمار الذكاء الاصطناعي في العمل الخيري والتطوعي” مساء السبت الموافق 28 سبتمبر 2024، قدّمتها جامعة العلوم التطبيقية بالمملكة. ناقشت الندوة مفهوم الذكاء الاصطناعي وأهميته في العمل الخيري، مع استعراض تطبيقاته في مختلف المجالات الخيرية وكيفية توظيفه في الجمعيات لخدمة المستفيدين الحقيقيين.

هكذا كانت تفكر جامعة جنيف

لم تكن التجربة البحرينية الأولى من نوعها. ففي عام 2016، كانت جامعة جنيف تخطط لنشر الخطة المتوقعة لكتيب يشمل دليلًا وإرشادات بحلول يونيو 2024، بالإضافة إلى تنظيم مؤتمر دولي في مارس 2024 بجنيف. هدف المؤتمر إلى جمع المساهمين في إعداد الدليل مع العلماء والممارسين البارزين في مجالات الذكاء الاصطناعي والعلوم الاجتماعية. 

وهكذا يحتل القطاع الخيري مكانة متميزة كلاعب مستقل يجمع بين الصناعة والحكومة والأوساط الأكاديمية، ويُسهم في قيادة ثورة الذكاء الاصطناعي الأخلاقية والشاملة (EIAI) . في الوقت نفسه، يقدِّم الذكاء الاصطناعي إمكانيات كبيرة لتطوير القطاع الخيري وتعزيز تأثيره. ومع ذلك، فإن نقص الوعي بتقنيات الذكاء الاصطناعي بين المنظمات الخيرية يحد حاليًا من تحقيق أهدافها. لذا، فإن تعزيز الأبحاث في مجال الذكاء الاصطناعي الخيري سيساهم بشكل كبير في تحسين المساعي الخيرية وتطوير الذكاء الاصطناعي الأخلاقي والشامل.

من أجل الأرض  

برنامج “الذكاء الاصطناعي من أجل الأرض” أو المُسمى بـ “AI for Earthيمثل مبادرة مشتركة بين “مايكروسوفت” و”ناشيونال جيوغرافيك”، تهدف إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في مواجهة التحديات البيئية الكبرى التي يسببها التصنيع، مثل: التغيرات المناخية وتلوث الأنهار واستنزاف الموارد الطبيعية. وتعتمد هذه المبادرة على الثورة الصناعية الرابعة التي توفر فرصًا غير مسبوقة لحل المشكلات البيئية وتعزيز الاستدامة من خلال تقنيات رقمية متطورة.

برنامج منح الابتكار في الذكاء الاصطناعي من أجل الأرض خصص 1.2 مليون دولار لدعم 11 مبتكرًا يعملون في مجالات الزراعة والمياه والتنوع البيولوجي وتغير المناخ، حيث تراوح قيمة المنح بين 45 ألفًا و200 ألف دولار لكل مشروع، بهدف تقديم حلول مبتكرة للمشاكل البيئية الملحة.

فوائد الذكاء الاصطناعي في العمل الخيري والتطوعي

تعزيز الكفاءة الإدارية في المنظمات الخيرية

الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في أتمتة المهام الإدارية مثل معالجة الطلبات والتبرعات، مما يتيح للموظفين التركيز على الأنشطة الخيرية الأساسية. ويمكن استخدامه أيضًا في تقييم احتياجات المستفيدين وإدارة المخزون وتخطيط الفعاليات بشكل أكثر فعالية.

أشارت دراسة صادرة عن مجلة جامعة أم القرى للعلوم الاجتماعية بالمملكة العربية السعودية عام 2021، إلى وجود علاقة ارتباطية إيجابية ذات دلالة إحصائية بين الذكاء الاصطناعي وصنع القرارات التخطيطية لبرامج العمل التطوعي بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن لتحقيق رؤية المملكة 2030.

تحسين استراتيجيات جمع التبرعات

يساعد الذكاء الاصطناعي المنظمات الخيرية في تحسين عمليات جمع الأموال من خلال تحليل البيانات لتحديد القطاعات الأكثر احتياجًا للدعم. ويسهم ذلك في توجيه الجهود والموارد نحو الأماكن الأكثر تأثيرًا لتحقيق أقصى فائدة.

توسيع نطاق الوصول إلى المجتمعات المحتاجة

يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الجغرافية لتحديد المناطق الأكثر فقرًا وصعوبة في الوصول، مما يمكّن المنظمات من الوصول إلى المحتاجين في المناطق النائية، والتنبؤ بالاحتياجات المستقبلية للمجتمعات الأكثر عرضة للخطر. فبحسب دراسة حديثة صدرت عن مجلة “International Journal of Non-Profit Sector Empowerment” اليونانية في عددها الأول من مجلدها الثاني، صارت تُتاح للجمعيات الخيرية فرص جديدة لتحسين عملياتها، وتوسيع نطاق وصولها، وتعزيز تأثيرها.

وأضافت الدراسة في نتائجها، احتمالية أن تدير تقنيات الذكاء الاصطناعي (مثل روبوتات المحادثة) أكثر من 85% من تفاعلات العملاء دون تدخل بشري في قطاع العمل الخيري.

تحسين إدارة الموارد وتوزيع المساعدات

يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين عمليات توزيع المساعدات من خلال روبوتات متطورة لتسليم الطعام والأدوية إلى المناطق المتضررة، كما يمكنه تتبع وتحليل استخدام الموارد لضمان كفاءة إدارة الإمدادات والتخزين.

أعمال خيرية.. ولكن 

في تصريحات لـ”لوكاس جوبا” الذي يرأس برنامج الذكاء الاصطناعي من أجل الأرض في مايكروسوفت: “نعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون مغيرًا لقواعد اللعبة في مواجهة التحديات المجتمعية الملحّة وخلق مستقبل أفضل”، مشيرًا إلى أنَّ القارة الإفريقية أفضل مكان يمكن من خلاله لمس التغييرات الجذرية للذكاء الاصطناعي، مثل مجالات الزراعة والحفاظ على الموارد وتحقيق فوائد بيئية واقتصادية، طامحًا نحو إتاحة القدرة على إدارة الموارد الطبيعية بشكل أفضل وصولاً إلى رفع مستوى القوى العاملة.

ومع ذلك، من خلال التصريح السابق، يظهر أن مفهوم الخير ضمن هذه التقنية محدود من حيث المصطلح والتنفيذ، خاصة في تحديد ما إذا كان التطوع لعمل الخير يشمل أي نطاق. وقد أوضح تقرير منظمة NTEN الأميركية، الصادر في 2020 بعنوان “Nonprofits and Artificial Intelligence: A Guide”، أن الخطوة التالية ليست مجرد اعتماد الذكاء الاصطناعي، بل تتطلب فهم فوائده وقيوده وتأثيره على الأساليب الحالية للعمل غير الربحي، سواء في جمع التبرعات أو إدارة الأعمال الداخلية أو تقديم البرامج. إذ إن هذا المجال يحتاج إلى مزيد من الابتكار والإبداع.

ختامًا، يُعتقد أن مفاهيم الخير في برامج الذكاء الاصطناعي تحمل مخاطر مهمة وتأثيرات بعيدة المدى. وعلى الرغم من دورها الحيوي في التنبؤ بالكوارث وإنقاذ الأرواح من خلال تقديم المساعدات الطبية، فإن إسهامها في حماية الضحايا والأبرياء أثناء الصراعات الدولية والإقليمية، أو في تحقيق تقدم ملموس في تعديل القرارات السياسية الإقليمية، قد يكون معقدًا ويواجه تحديات في تحقيق الشفافية.

ليس الأمر نتيجة إخفاق أو فشل، إذ إن إسهامات الذكاء الاصطناعي في فهم تأثير الأزمات الإنسانية وزيادة الوعي حولها واضحة. لكننا نواجه حقيقة لا بدَّ من الاعتراف بها: “ما يصلحه الذكاء الاصطناعي قد يفسده البشر”، فالفساد الذي طال البر والبحر كان نتيجة أفعال البشر.

فهل يمكن للذكاء الاصطناعي إصلاح ما عجز البشر عن التوصل إليه؟ هذا هو الأمل.

 

اترك رد

Your email address will not be published.