الذكاء الاصطناعي ونضوج المعالجات الإخبارية

11

بقلم: خالد المطرفي.

لم تعد الصحافة بمعزل عن التقنية، إذ باتت تؤثر في كل مكوناتها التفصيلية، فهناك دراسات مازالت في بداياتها تدرس حقبة جديدة من الاتجاهات الصحافية لما بعد «صحافة الذكاء الاصطناعي» تُعرف بـ«صحافة الجيل السابع» أو «G7 Journalism»..

من دون أي مقدمات إقناعية، علينا أن نؤمن بأن “الذكاء الاصطناعي” لم يعد مجرد أفكار خيالية، أو دردشات يتفاخر بذكرها بعض المتحلقين حول مائدة أحد المجالس، أو كونه بُعبعًا مُخيفًا سينهي وظائف كثير من البشر ويجعلهم مصطفين في طوابير العاطلين عن العمل، بالتأكيد أن الأمر على العكس من ذلك، فهو حقيقة عصرية لتطوير مستقبلنا في العقود المقبلة بمشيئة الله تعالى، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، لذلك يُعادل ركوب صهوته بمن يستقل قطارًا فائق السرعة، للوصول إلى مبتغاه في أقصر وقت ممكن وبأقل التكاليف.. نعم الأمر بهذه البساطة.

أضحى اليوم “الذكاء الاصطناعي” مسألة في غاية الأهمية؛ لأنه بات عنصرًا مؤثرًا للتطور النوعي الذي سيحدث في عقودنا المقبلة وستبلغ تأثيراته مختلف المجالات الحيوية الاقتصادية والصحية والتقنية وغيرها، كما أن الإعلام يُعد جزءًا لا يتجزأ من هذا التطور المرتقب، وإن كان الحديث عن تبعاته في مؤسساتنا الإخبارية العربية ما يزال محدودًا جدًا، إلا أن تطوراته ستصل إلينا عاجلًا أو آجلًا؛ وسنستفيد من خدماته بشكل جذري من جانب أسلوب معالجتنا للأحداث بطريقة لم يكن أحد ليتخيلها من قبل.

تحت هذا العنوان: “غزو الذكاء الاصطناعي للصحافة يُحدث ثورة في اتجاه التقارير الإخبارية”، كتبت مجلة Analytics Insight الرقمية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، تحليلًا مهمًا نشر في النصف الثاني من سبتمبر الماضي، ومما جاء فيه أن الوظائف الصحافية القابلة للاستبدال بالذكاء الاصطناعي تمثل 12% من حجم الأعمال الصحافية، مستشهدة بتجربتين إعلاميتين لهما ثقل عالمي كيف استفادت من الذكاء الاصطناعي في تطوير بنيتها التحتية المهنية وانعكاس ذلك على ما تقدمه للمستفيدين من خدماتها الإخبارية.

التجربة الأولى لوكالة Associated Press الأميركية العريقة التي باتت تستخدم “روبوتات” تؤدي المهام الإخبارية الأساسية مثل كتابة فقرتين إلى ست فقرات عن النتائج الرياضية وتقارير الأرباح الفصلية، أما التجربة الثانية فهي لوكالة بلومبيرغ الإخبارية التي وظفت روبوتات الذكاء الاصطناعي للعمل على تحليل اتجاهات مجموعات البيانات الضخمة، وتقوم بإرسال تنبيهاتها إلى الصحفيين عند ظهور اتجاه أو شذوذ في هذه البيانات؛ لمساعدتهم على تحليل الأسواق بالشكل المهني المطلوب، ووفق رؤية اقتصادية متوازنة حيادية.

بالتأكيد ستستفيد المؤسسات الصحافية والإخبارية من تأثيرات “الذكاء الاصطناعي” عبر أتمتة العمليات المهنية وإنتاج الأخبار الروتينية، وستسهم في إنضاج المعالجات المهنية للقصص الخبرية، من جانب تقدير وتحليل الاتجاهات المُعقدة للأحداث بصورة سريعة تنبئية، مما يمنح المحررين الالتفات إلى بناء تقاريرهم بشكل متوازن غير متحيز، مستندين على تحليل المعلومات الدقيق وليس العاطفة الشخصية أو المسيسة، وسيكون لذلك تأثيرات إيجابية على تلك المؤسسات منها على سبيل المثال لا الحصر، تخفيف العبء المالي عنها، وتطوير مخرجاتها الإخبارية للصمود في وجه التنافس الإعلامي الشرس، والأهم من ذلك تطوير الأداء المهني لصحافييها وقدراتهم بما يتواءم مع متطلبات المستقبل الجديد. من أهم الكتب الصادرة حديثًا وأنصح زملائي الصحافيين بقراءتها كتاب “صحافة الذكاء الاصطناعي.. الثورة الصناعية الرابعة وإعادة هيكلة وسائل الإعلام”، للأكاديمي الدكتور محمد عبدالظاهر، الذي عمل صحفيا في هيئة الإذاعة البريطانية “BBC”، ومجموعة “الفايننشال تايمز” وصولا إلى ترؤسه سابقًا لمؤسسة “تومسون رويترز”، ويعد أول كتاب حول صحافة الذكاء الاصطناعي، تناول فيه مستقبل صناعة الإعلام في ظل تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، وتطرق إلى العديد من المفاهيم الإعلامية الجديدة مثل “التسويق الروبوتي”، بدلًا من التسويق الرقمي، وأخلاقيات صحافة الذكاء الاصطناعى، والبلوكتشيند نيوز، وأجاب باستفاضة حول كيفية تأثير “تقنيات الذكاء الاصطناعي، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والحوسبة السحابية، وتحليل البيانات الضخمة، ومنصات البيانات المفتوحة وغيرها على هيكلة وسائل الإعلام المختلفة، وطرح قائمة بأفضل 10 مؤسسات إعلامية عالمية ستقود صحافة الذكاء الاصطناعى في العقد المقبل؛ لاعتمادها المباشر على بعضٍ تقنيات الثورة الصناعية الرابعة في إدارة وتطوير صناعة الأخبار والمحتوى الإعلامي.

لم تعد الصحافة بمعزل عن التقنية، إذ باتت تؤثر في كل مكوناتها التفصيلية، فهناك دراسات مازالت في بداياتها تدرس حقبة جديدة من الاتجاهات الصحافية لما بعد “صحافة الذكاء الاصطناعي” تُعرف بـ”صحافة الجيل السابع” أو “G7 Journalism” ويتوقع ظهورها – إن شاء الله – بعد عقدين (2040)، ويقول منظروها إنها ستسهم في اختفاء المؤسسات الإعلامية بشكلها التقليدي، وستتحول إلى ملايين من المراكز المعلوماتية المنتشرة في كل مكان حول العالم، في ظل انتشار شبكات الجيل السابع التي تغطي كل نقطة على الكرة الأرضية وتحت البحار بشبكات إنترنت قوية تعمل دون انقطاع، ولهذه الصحافة أربع سمات رئيسة، تتمثل في القدرة على استشراف الأحداث وصناعة الخبر قبل حدوثه، والاعتماد على تقنيات شبكات الجيل السابع، واختفاء المراسل من عناصر العملية الاتصالية، وبروز وسائل الإعلام مجهولة الهوية قوية التأثير. السؤال المطروح أمام المؤسسات الصحافية خصوصًا، والصحافيين على وجه العموم: هل نحن جاهزون لخوض غمار هذه التطورات التقنية الهائلة في سبيل مهنتنا؟.. دمتم بخير.

اترك رد

Your email address will not be published.