هل يتمكن الذكاء الاصطناعي من كتابة موسيقى المستقبل؟

37

AI بالعربي – متابعات

بداية من الرسوم المتحركة والبرامج النصية إلى الأفلام الكاملة، يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي المولّد إنتاج محتوى جديد بجزء بسيط من التكلفة والوقت الذي يحتاجه الإنتاج التقليدي، ويتيح للمؤسسات الإعلامية تحسين التفاعل بينها وبين جمهورها من خلال تقديم محتوى مخصص وإعلانات مخصصة لزيادة الإيرادات. أما شركات الألعاب فيمكنها استخدام الذكاء الاصطناعي المولّد في ابتكار ألعاب جديدة والسماح للاعبين بإنشاء صور رمزية.

هذا بعض مما تتيحه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ويخشى العاملون في حقل الإبداع الفني بمختلف فروعه أن يكون ما خفي من القصة أعظم من ذلك بكثير.

في عام 2016 استخدم باحثو سوني الذّكاء الاصطناعي لتأليف أغنية Daddy’s Car تمّ استلهامها من فرقة البيتلز بمساعدة الملحّن الفرنسي بينوا كاريه. هدفت الشراكة إلى إضفاء لمسة إنسانيّة على العمل.

ويعدّ مشروع Jukebox الذي طوّرته شركة أوبن أي.آي، أحد أحدث وأبرز مبادرات توليد الموسيقى. ويستخدم المشروع الذّكاء الاصطناعي لإعادة بناء الموسيقى بطريقة حديثة وفعّالة، مزوّدا بالنّوع والفنّان وكلمات الأغاني كمدخلات.

حقّقت التّكنولوجيا نتائج مذهلة في إتقان الموسيقى، وإنشاء مقطوعات بجودة يصعب معها التّمييز بين أداء الآلة وأداء الإنسان وتجعل العمليّة أسرع وأرخص ومتاحة للفنّانين المستقلّين والإنتاج بميزانيّة محدودة.

التحديات التي يثيرها استخدام الذكاء الاصطناعي في عملية الإنتاج الموسيقي، شكلت محور ندوة بعنوان “مستقبل الإبداع الموسيقي في عصر الذكاء الاصطناعي”، نظمت في إطار فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان “فيزا فور ميوزيك” بشراكة مع الكونفدرالية الدولية لمؤسسات المؤلفين والملحنين، والمكتب المغربي لحقوق المؤلف، وشركة المؤلفين في الرباط.

حيث أكد خبراء في مجال الموسيقى وحقوق التأليف والنشر، أن الذكاء الاصطناعي يشكل “أداة ذات حدين” في مجال الإبداع الموسيقي.

وأعرب متدخلون من نيجيريا، ورواندا، وجنوب أفريقيا، وفرنسا عن آراء متباينة بين الاحتفال بالتكنولوجيا الجديدة التي تساعد الفنانين في إبداعاتهم، مقابل الخوف من “تجريد الأعمال من إنسانيتها وتمس بمسلسل الإبداع الفني الموسيقي”.

وأشار الخبراء الحاضرون إلى أن الذكاء الاصطناعي، الذي هو تكنولوجيا تتغذى بشكل رئيسي على الإبداعات الموسيقية والمكتبات التي يمكن الولوج إليها عبر الإنترنت، يطرح العديد من المشاكل على مستوى مسلسل الإبداع الموسيقي، لاسيما في ما يتعلق باستغلال المعطيات، مما يعني أنه “يمكن لأي مستخدم أن يعلن نفسه أنه فنان ويتقاضى أجرا مقابل ذلك”.

بداية لا بد من استعراض هذه التحديات والتي تتمثل خصوصا في مخاوف من أن يتم انتهاك حقوق المؤلف والملكية الفكرية للمبدعين، إذا اُستخدمت بياناتهم أو أعمالهم دون إذن أو اعتراف. كما قد ينتج عن الذكاء الاصطناعي محتوى مسيء أو مضلل أو مخالف للقيم والمبادئ الأخلاقية.

وهناك أيضا مخاوف من أن يهدد الذكاء الاصطناعي فرص العمل والدخل للمبدعين، إذا استطاع أن ينتج محتوى بجودة عالية وتكلفة منخفضة وسرعة فائقة. وهو ما قد يؤثر على الطلب والعرض والسوق للمنتجات والخدمات الإبداعية.

وتشكل جودة العمل المنتج من قبل الذكاء الاصطناعي نقطة خلافية أيضا، حيث يشير الخبراء إلى أن الأعمال المنتجة من قبل الذكاء الاصطناعي تفقد العمق والأصالة والتنوع والتميز في المحتوى، فهو يعتمد على البيانات الموجودة أو الخوارزميات المحدودة. كما قد يخضع للتحيز والخطأ والتلاعب في المصادر والمعايير التي يستخدمها.

ويخشى المشاركون من أن الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على الثقة والحماس والرضا والانتماء للمبدعين، إذا شعروا بالتهديد أو المنافسة أو الاستبدال أو الاستغلال من قبل الآلات. كما قد يفقدون الاتصال والتفاعل والتعاون مع الآخرين في عملية الإبداع.

وهو ما أشار إليه مدير التنمية الدولية في شركة المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى بفرنسا حبيب عاشور، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بقوله إن “الذكاء الاصطناعي موضوع يجعل البعض يرتعد، لكنه مع ذلك فهو يظل عالما من التحديات والإكراهات والفرص”.

وأضاف عاشور “نحن هنا لإزالة الغموض عن هذه التكنولوجيا وإظهار كيف يمكن أن تكون مصدر قوة وتهديد للمشهد الموسيقي في القارة الأفريقية وفي جميع أنحاء العالم”.

من جانبه، أشار مدير جمعية الملحنين والمؤلفين والناشرين في جنوب أفريقيا، التي شاركت للمرة الثالثة في مهرجان “فيزا فور ميوزيك”، جوتام ماتاريرو إلى أنه “عندما ظهر البث الرقمي (البث المباشر)، تم التخلي عن القارة الأفريقية، والآن استطعنا أن نلحق بالركب”.

واستطرد قائلا “يجب علينا تحديث قوانين حقوق التأليف والنشر لدينا، وإيجاد شركاء لتعزيز وحماية وتوعية الفنانين الموسيقيين الأفارقة حول استخدام هذه التكنولوجيا”.

كما اقترح المتحدثون في هذه الندوة حلولا “للعمل مع الذكاء الاصطناعي وليس ضده”، ولاسيما من خلال تحويل الإطار القانوني حول هذا الموضوع عبر تحديد حساب الحد الأدنى من النسبة المئوية للشرعية، والتعويض عن المخاطر المحتملة لمحترفي الموسيقى وإعادة تعريف مفهوم حقوق التأليف والنشر للموسيقي أو الفنان.

وأخيرا، أشار المشاركون إلى أن الإبداع هو عملية إنسانية، تتغذى من التجارب والمهارات الشخصية لمحترفي الموسيقى، وأنه يظل “لا غنى عنه من وجهة نظر أخلاقية في ما يتعلق باختفاء الوظائف وسلاسل القيمة البشرية”.

هل حقا أن العنصر البشري هو ما يضفي قيمة على العمل الإبداعي، وإن كان كذلك لماذا تحظى أعمال إبداعية، بدءا برسوم الكهوف ومرورا برسوم المعابد الفرعونية وبلاد الرافدين، بقيمة فنية كبيرة دفعت المبدعين إلى استلهامها، وهل يقلل من قيمة كتاب مثل ألف ليلة وليلة والإلياذة والأوديسة عدم معرفة المؤلف؟

من المبكر جدا إطلاق أحكام نهائية تحسم الجدل القائم، وإلى أن تتضح الصورة، تبقى آراء المتحدثين في الندوة مجرد رسالة طمأنة للعاملين في الحقل الإبداعي.

اترك رد

Your email address will not be published.