الدول الذكية وقمة الذكاء الاصطناعي

12

في الأسبوع قبل الماضي استضافت العاصمة الرياض افتتاح القمة العالمية الأولى للذكاء الاصطناعي برعاية من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، وقد كانت كلمة ولي العهد التي ألقاها نيابة عنه الدكتور عبدالله الغامدي رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي نبراسا للجميع للتوجهات السريعة المستمرة في مجال الذكاء الاصطناعي ومشاريعه المتنوعة، حيث أكد أن 2020 كان عاما استثنائيا لاختبار إمكانات الذكاء الاصطناعي في الوقت الذي تتشكل في الأفق ظواهر جديدة تعيد تعريف أساليب حياتنا وأعمالنا، ما يدعونا جميعا للتفكير والعمل بأقصى الإمكانات في سبيل الارتقاء بمجتمعاتنا واقتصاداتنا المعرفية.
وأشار إلى أن السعودية يسرها أن تطلق الاستراتيجية الوطنية للبيانات للذكاء الاصطناعي، وهي الاستراتيجية التي ستجعل المملكة أنموذجا يحتذى للذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، وطالب الأمير محمد بن سلمان الحالمين والمبدعين والمستثمرين وقادة الرأي كافة بالانضمام إلى المملكة لنحقق معا هذا الطموح ونبني معا نموذجا رائدا للذكاء الاصطناعي القائم على اقتصادات المعرفة، من أجل الارتقاء بأجيالنا المعاصرة وأجيالنا المقبلة إلى مستويات أعلى في مجالات جودة الحياة.
ونلاحظ أنه وضح في كلمته أن السعودية استطاعت أن تضيق الفجوة في مجال التقدم الرقمي مقارنة بالدول المتقدمة رقميا، وأن الاستراتيجية الوطنية التي أطلقتها المملكة في هذه القمة ستمكنها من تحقيق مزيد من المبادرات المهمة مع شركائنا العالميين لتسريع استخدام الذكاء الاصطناعي لتحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز الاستفادة من الخبرات العالمية في مجالات تطبيق الذكاء الاصطناعي لتسريع تنفيذ برامج ومشاريع رؤية السعودية 2030.
إن الدروس المستفادة والإيضاحات من كلمة ولي العهد توضح أن الذكاء الاصطناعي بإيجاز شديد هو أحد أنواع العلوم الحديثة، التي باتت تنتشر في كل دول العالم ضمن مشاريع الروبوتات الذكية وبالذات في مجالات الرهان على تقدم الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري، وبعبارة أبسط يشير مصطلح الذكاء الاصطناعي إلى أن الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري باتت تقدم الدليل القوي على أن الذكاء الاصطناعي يحقق تقدما مذهلا لمصلحة العقل الآلي في سباقه مع العقل البشري.
إنني أهيب بالجامعات أن تضطلع بمسؤولية بناء العقل السعودي من أجل بناء الدولة السعودية الحديثة، وضرورة تنمية قدرات الطلاب على التفكير النقدي والإبداعي، وفتح الباب أمام مشاركتهم في تطوير قدراتهم نحو التفكير العلمي السديد.
إن تطوير العقل السعودي صناعة بالغة الأهمية، لأن السعودية في هذه المرحلة تحتاج إلى عقول سعودية مبدعة تبتكر الحلول غير التقليدية للسير قدما في تحقيق برامج التنمية الشاملة، والتعليم المتميز، هي العمود الفقري لمشروع بناء الإنسان، والمؤكد أن الجامعة هي التي تبني العقل والوجدان، وتؤسس المواطن على صحيح الأفكار المبدعة التي على قواعدها تبنى الأوطان.
إن بناء مجتمع المعرفة سيفرز مجتمعا قادرا على إنتاج المعرفة، وتصميم الرؤى واستخدامها لتطوير الأحوال المحيطة بالمجتمعات. من التحديات التي سيطرحها العصر الاصطناعي في سوق العمل .. التنافس الحاد بين الذكاء الاصطناعي والذكاء الإنساني.
وفي الأيام القليلة الماضية تداولت وسائل الإعلام أخبارا مفادها أن الأتمتة ستحل محل 800 مليون إنسان، أي أن سوق العمل سترمي 800 مليون موظف خارج سوق العمل العالمية وتحيلهم إلى موظفين عاطلين عن العمل. ولقد انفجر هذا الخبر وسط الناس مثل القنبلة الموقوتة، فبدأ الهرج والمرج في الأسواق، وبدأ القلق على الوظيفة يساور كثيرا ممن تشغلهم ظروف العيش في الحياة بكرامة.
وأمام القلق الذي ساور الناس بادرت شركات التوظيف في الدول المتقدمة بتصميم برامج تدريبية متعددة لتمكين الإنسان من المهارات الجديدة، التي بدأ الذكاء الاصطناعي يبرع فيها ويحقق تفوقا مذهلا على الإنسان، وهذه البرامج ستمكن الإنسان الذكي من العودة إلى سوق العمل من خلال الوظائف الرقمية التي تتلاءم مع سوق العمل الجديدة. حتى نوضح هذا التنافس بين الذكاء الإنساني، والذكاء الاصطناعي دعونا نقدم صورة تاريخية مرت بها سوق العمل العالمية تشبه إلى حد كبير الصورة التي ستكون عليها سوق العمل في المستقبل القريب.
في الخمسينيات الميلادية وبعد الحرب العالمية الثانية بدأ العالم يدخل عصرا اصطناعيا جديدا توج بتكنولوجيا الكهرباء التي غزت الأسواق في كل أنحاء العالم، وبدأ الناس يغيرون حياتهم ويستخدمون الطائرات والسيارات والغسالات والثلاجات والمطابخ الكهربائية وآلات الطباعة والمصانع العصرية والمستشفيات، وبدأوا يضيئون ويزينون شوارع مدنهم بالثريات الكهربائية، أي أن الكهرباء دخلت في كل تفاصيل حياتهم، وأصبحت أحد المقومات الأساسية في حياة الإنسان اليومية، ومن دونها لا تقوم الحياة ولا يمضي الزمن.
وبذلك أصبحت الكهرباء هي المحرك الأعظم للوظائف الجديدة في سوق العمل في كل مكان من العالم، بل أصبحت الكهرباء هي المحرك للاقتصاد في كل دول العالم ومن دونها لا يمكن أن تقوم للحياة قائمة.
إذن جاءت تكنولوجيا الكهرباء بتغيرات شاملة في كل أوجه حياة الإنسان، وتبعا لما غيرته الكهرباء فقد تغير نمط الحياة، وتغيرت الوظائف في الأسواق، وأصبح الإنسان الذي يستخدم يده وعضلاته لا وجود له، بل أصبح الإنسان يدير شؤونه من خلال أزرار تكفي للقيام بأعمال مبهرة.
الصورة الآن تبدو هكذا، نحن أمام تكنولوجيا جديدة يقدمها العصر الاصطناعي للعالم، ومطلوب من الناس جميعا أن يتعلموا كيف يديرون ويستفيدون من هذه التكنولوجيا الجديدة التي بدأت تفرض سيطرتها وسطوتها في كل أسواق العالم، إنه العصر الاصطناعي الذي يراهن على مستوى من الذكاء يفوق الذكاء الإنساني، ما يعني ضرورة أن يكون الإنسان على مستوى التحدي والمسؤولية.

اترك رد

Your email address will not be published.