مسؤولية الشركات في عصر الذكاء الاصطناعي

24

ماريا إيتل

خلال العام الماضي، اندلعت مناظرات متنافرة حول الذكاء الاصطناعي. اعتمادا على الجانب الذي تستمع إليه، فإن الذكاء الاصطناعي إما أن يحملنا إلى عالم جديد مشرق عامر باحتمالات لا نهائية أو يدفع بنا إلى واقع مختل بغيض. يمكننا أن نطلق على الحال الأول سيناريو باربي والثاني سيناريو أوبنهايمر ـ هذا لافت للانتباه ومختلف كأفلام هوليوود الشعبية الناجحة في الصيف. لكن إحدى المناقشات تحظى بقدر من الاهتمام أقل كثيرا مما ينبغي: تلك التي تدور حول مسؤولية الشركات.

انضممت إلى شركة نايكي بصفتي أول نائبة رئيس لشؤون المسؤولية الشركاتية في 1998، وكان ذلك في أوج أزمة الشركات الأكبر على الإطلاق في عصر العولمة المفرطة: أصبحت شركة الرياضة واللياقة البدنية الشهيرة وجها لاستغلال العمالة في الدول النامية. في التعامل مع تلك الأزمة وتحديد المسؤولية الشركاتية التي يجب أن تتحملها “نايكي”، تعلمنا بجهد جهيد دروسا صعبة، التي يمكن أن تساعد الآن في توجيه جهودنا في التعامل مع ثورة الذكاء الاصطناعي.

اليوم، ينطوي الأمر على فارق رئيس. تطورت أحداث أزمة شركة نايكي التي وقعت في أواخر تسعينيات القرن الـ20 ببطء. ولكن عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي، فإننا لا نملك ترف الوقت. في مثل هذا الوقت من العام المنصرم، لم يكن معظم الناس سمعوا عن الذكاء الاصطناعي التوليدي. دخلت هذه التكنولوجيا وعينا الجماعي كضربة صاعقة في أواخر 2022، وكنا نحاول فهمها منذ ذلك الحين.

في ظل الظروف الحالية، لا تتقيد شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي بحواجز حماية مفروضة عليها من الخارج. وهذا يجعلنا جميعا فئران تجارب. ولا شيء طبيعي في هذا. إذا قدمت شركة بوينج أو إيرباص طائرة وعدت بأن تكون أرخص وأسرع لكنها من المحتمل أن تكون بالغة الخطورة، فإننا لن نقبل المجازفة. وشركة الأدوية التي تطلق منتجا لم يخضع للاختبارات اللازمة، في حين حذرت من أنه قد يكون ساما، فإنها تعـد مسؤولة جنائيا عما تحدثه من مرض أو وفاة. لماذا إذن من المقبول أن تطرح شركات التكنولوجيا في السوق منتجات تحذر هي ذاتها من أنها تحمل لنا خطر الانقراض؟

حتى قبل ظهور الذكاء الاصطناعي في المشهد، كانت شركات التكنولوجيا الكبرى و”اقتصاد الاهتمام” يواجهان انتقادات متزايدة بسبب تأثيراتهما الضارة. الواقع أن منتجات مثل Snapchat، وInstagram، وTikTok مصممة لتحفيز دفقات من الدوبامين في الدماغ، وهذا يجعلها تحدث الإدمان مثل السجائر. وقد نشأ إجماع علمي على أن الوسائط الرقمية تضر بصحة المستخدمين ـ خاصة الأطفال ـ العقلية.

لقد زاد الذكاء الاصطناعي من قوة “اقتصاد الاهتمام” وأطلق العنان لمجموعة جديدة من المخاطر، التي يستحيل علينا أن نتبين نطاقها بوضوح. على الرغم من الدعوات المتزايدة الصخب المطالبة بالتنظيم، عندما تأتي من جانب الأشخاص أنفسهم الذين يقفون وراء هذه التكنولوجيا، فإنها لا تعدو كونها حملات علاقات عامة وتكتيكات مماطلة من جانب الشركات إلى حد كبير. في النهاية، لا يفهم القائمون على التنظيم والحكومات بشكل كامل كيف تعمل المنتجات القائمة على الذكاء الاصطناعي أو الأخطارالتي توجدها، الشركات فقط هي التي تفهم ذلك.

يجب أن تتحمل الشركات مسؤولية ضمان عدم التسبب عن قصد في إحداث الضرر، وإصلاح أي مشكلة توجدها. إنها وظيفة الحكومة أن تحاسب الشركات. لكن المساءلة تأتي بعد حدوث المشكلة ـ وهي استجابة متأخرة كثيرا عندما يتعلق الأمر بتكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي.

المصدر: الاقتصادية

اترك رد

Your email address will not be published.