الذكاء الاصطناعي يسعى لمحاكاة نقطة القوة التي يمتلكها البشر
AI بالعربي – متابعات
تطور الذكاء البشري على مدار ملايين السنين من خلال الاصطفاء الطبيعي استجابة لتحديات ومتطلبات البيئة المحيطة، وبفضل هذا الذكاء أوجد البشر نسخة اصطناعية تحاكي قدراتهم الإدراكية وتؤدي مهام تتطلب نوع ذكاء شبيهاً بذكائهم، مثل التعلم والاستدلال وحل المشكلات والإدراك، فأصبح لدينا شكلان متميزان من الذكاء يستخدمان بازدياد في حياتنا اليومية، وفقًا لموقع أندبندنت عربية
إلى ماذا يشير مصطلح الذكاء، وما نقاط قوة الذكاء البشري التي تنقص نظيره الاصطناعي؟
مفهوم الذكاء
يعرف الذكاء على أنه وليد الإدراك ومؤشر سلوكي له، إذ يتحقق نتيجة الإدراك الصحيح للأشياء لإنتاج ردود فعل سلوكية مناسبة في أقصر وقت ممكن، فكلما كان الإدراك كافياً والاستجابة صحيحة فعالة والوقت المستغرق لحدوثهما قصيراً، ارتفع ذكاء الفرد وازدادت مجالات إدراكه.
ويشمل الذكاء القدرات العقلية المختلفة التي تمكن الأفراد من التفكير والتعلم وحل المشكلات وفهم المبادئ، إضافة إلى التفاعل المعقد مع الوظائف المعرفية مثل الإدراك والانتباه والذاكرة واللغة والتخطيط، بالتالي فإن الذكاء هو بناء متعدد الأوجه، يتطور بشكل تدريجي مع تطور الدماغ ونموه، ومن الممكن قياسه من خلال الاختبارات المعيارية، لكن هناك اختلافات واضحة بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري.
بين البشر والآلة
يشير الذكاء الاصطناعي بمفهومه العام، إلى تطوير آلات ذكية يمكنها أداء المهام التي تتطلب في العادة ذكاء بشرياً، مستخدمة الخوارزميات وتقنيات التعلم الآلي لتحليل كميات هائلة من البيانات واتخاذ القرارات بناء عليها. والميزة الأكثر بروزاً لأنظمة الذكاء الاصطناعي، أنها تستطيع التعلم والتحليل والتصحيح ذاتياً مع تدخل بشري ضئيل أو من دونه، مما يجعلها فعالة ودقيقة بشكل هائل.
من جهة أخرى، تسمح القدرة الذهنية التي يمتلكها الذكاء البشري بالمشاركة في مهام معرفية معقدة، بما في ذلك التفكير والتعلم والفهم وتطبيق المنطق وحل المشكلات والتعرف على الأنماط واتخاذ القرارات والاحتفاظ بالمعلومات والتواصل مع الآخرين. والميزة الأكثر فرادة أنه مصحوب بمشاعر مجردة، مثل الوعي الذاتي والعاطفة، إضافة إلى القدرة على التكيف والتغيير، على عكس الاصطناعي الذي يعتمد على خوارزميات مبرمجة مسبقاً وقواعد ثابتة. فالذكاء البشري مرن ويمكن تشكيله من خلال تجاربنا وما نتعرض له من مواقف، بالتالي يمكن أن يختلف اختلافاً كبيراً اعتماداً على سياق وطبيعة المشكلات التي نواجهها.
كما يلعب الذكاء البشري دوراً مهماً أيضاً في جمع المعلومات (بخاصة الحساسة منها) وتفسيرها، يمكن أن يوفر رؤى وملاحظات قيمة بناء على الخبرات والمعرفة الشخصية.
محدودية الاصطناعي
في السياق ذاته، للذكاء الاصطناعي قيود عدة تحده، ومن خلال إجراء مقارنة صغيرة بين الذكاء البشري والاصطناعي، سنرى أن هذه القيود تقوض من قدراته وتضعف إسهاماته في مجال الاكتشاف العلمي. فإذا توقفنا أمام الإبداع والتفكير المستقلين، وهما من أهم المهارات المطلوبة في مجال الاستكشافات، سيتجلى بوضوح افتقار أنظمة الذكاء الاصطناعي لهما، إذ عادة ما يتم برمجتها لأداء مهام محددة ومحدودة لا يمكنها الخروج عن الإطار العام الذي يحدد البيانات الموكلة بها، بالتالي هي بعيدة عن توليد أفكار أو تطوير حلول جديدة بمفردها، هذا يعني أنها ما زالت في حاجة إلى تحسين قدرتها على حل المشكلات المعقدة، لا سيما في المجالات الاستكشافية.
ويتمثل واحد من القيود الأخرى في صعوبة طرح الأسئلة والسعي وراء معرفة جديدة، إذ لا يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تتساءل كما البشر، كما أنها لا تملك ميزة الفضول البشري التي تعد أساساً لاستكشاف والتوسع والخروج بنظريات ومناهج جديدة. فبينما يتنقل الباحثون البشر في الأرض يطرحون الأسئلة ويبحثون عن مفاتيحها ويسبرون العالم بحثاً عن معارف جديدة، تقبع أنظمة الذكاء الاصطناعي في صندوق ضيق تعالج فيه المعلومات المبرمجة مسبقاً.
كما أن هذه الأنظمة محدودة أيضاً في فهم المفاهيم المجردة الضرورية للتقدم والاكتشاف العلمي، نظراً لمحدودية التدريب الذي تلقته واقتصاره على مجموعات محددة من البيانات والخوارزميات، مما يجعل من عملية فهم المفاهيم المعقدة والمجردة أمراً بالغ الصعوبة، ولكن في المقابل يمكن للباحثين البشر فهم المفاهيم المجردة والعمل معها.
نقطة قوة البشري
منذ اللحظات الأولى للحضارة البشرية، دفع الفضول الناس لفهم العالم والبحث عن معرفة وفهم جديدين، وكان الحافز الأول للبحث والتطوير والاكتشاف العلمي، فهو قائد الأفكار الجديدة وملهم الاتجاهات الرائدة في التنمية وربان سفينة الابتكار والاكتشاف، ومن خلاله توصلت البشرية إلى عديد من الابتكارات والاكتشافات، من اختراع الأدوات إلى اكتشاف القوانين وتطوير العلوم الحديثة، فهو الضامن الأول لاستمرار تيار التقدم العلمي والاستكشاف.
ومن هنا نجد أن الفضول يأتي لصالح البشر في معادلة الذكاء، إذ يشكل نقطة القوة الأكبر التي تحسب للبشر، فمنه تتوقد الشرارة التي تشعل الأفكار والنظريات الجديدة، وبوجوده يتسع التساؤل أكثر وأكثر والبحث حتى الوصول إلى إجابات حاسمة. فالفضول حول قضية أو ظاهرة ما، يقود الإنسان إلى خوض نشاط معرفي لجمع المزيد عنها وطرح أسئلة مبتكرة واستكشافها من زوايا مختلفة، حتى الوصول إلى وجهات نظر جديدة تمهد الطريق لنظريات وأفكار حديثة، بالتالي فإن تنمية الفضول البشري ورعايته وتعزيزه أمر بالغ الأهمية في كل العصور، فإذا كانت تنمية الفضول البشري ورعايته وتعزيزه مهمة في كل العصور، أصبحت اليوم قلادة تفوق ونقطة قوة حاسمة في أي صراع مستقبلي بين الإنسان والآلة.
الجمع بينهما
لكن لا ريب في أن الجمع بين الذكاء الاصطناعي والفضول البشري يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التقدم في الاكتشافات والبحث العلمي، إذ يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تساعد البشر في سعيهم للحصول على هذه المعرفة بتوفير الوقت والجهد عليهم، من خلال أتمتة المهام المتكررة واتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة. على سبيل المثال، يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي معالجة كميات كبيرة من البيانات بسرعة ودقة عالية والتعرف على النماذج وإنتاج تنبؤات، بينما يمكن أن يستغرق الدماغ البشري دقائق عدة لحل مشكلة حسابية بسيطة، لكن، في المقابل يمتلك البشر قدرات معرفية خاصة مثل التفكير والمنطق والإبداع والذكاء العاطفي القدرة على فهم وتفسير المشاعر الإنسانية المعقدة والتعاطف مع الآخرين وغيرها.
وأخيراً، الأكيد أن سلوكنا البشري يمكن أن يؤثر في عوائد الذكاء الاصطناعي، وشكل استثماره، إما في طريق المنفعة البشرية أو بالاتكال الكامل عليه، لذا من الضروري فهم الاختلافات بينهما لضمان الاستخدام الفعال والمسؤول لكليهما، إذ إن أهمية الاستثمار في الذكاء البشري لن تقل أهمية في المستقبل عن الاستثمار في نظيره الاصطناعي.