كيف يرفع الذكاء الاصطناعي إيرادات رابطة الدوري السعودي للمحترفين؟

32

د. علي بن ناصر الحدور

حين ننظر إلى الدوري السعودي، لايغيب عن العارفين بالتطبيقات أن التقنيات المستخدمة اليوم في التحليل الكروي كعين الصقر (Hawk-Eye) وحكم الفيديو المساعد (VAR) هي أنظمة ذكاء اصطناعي أصيلة، تستخدم خوارزميات الرؤية الحاسوبية العامة وخوارزميات تتبع مسار الكرات واللاعبين عبر المستطيل الأخضر، لتحليل الحالات المحتملة للمخالفات كالتسلل وغيرها، وتصعيدها أيضا للمراجعة من قبل الحكام مع تفاصيل دقيقة عن الأحداث، من أجل الخلوص إلى قرارات تحكيمية مبرهنة بالأدلة والأرقام.

لكن كل التحليلات التي تنتجها هذه التطبيقات مرتبطة بالتحليل الفوري للبيانات (Real-time Analytics)، وهي ليست إلا الشعرة البيضاء في ثور الذكاء الاصطناعي الأسود.

كيف يغيب عن المشهد الجزء الأهم من التحليلات الاصطناعية الذكية، تلك المتعلقة بالمستقبل، التحليلات التنبؤية (Predictive Analytics) والتي يكون عليها رهان الفوز والخسارة للأندية المتنافسة، وكذلك تعظيم عوائد استثماراتها في محترفيها بما ينعكس بالفائدة الاقتصادية عليها، وهذا هو التحدي الأول، في ضرورة إدراك أهمية هذا النوع من التحليلات والسعي إلى إحلال تطبيقاته في الأندية.

لنأخذ مثالًا بسيطًا عن البيانات الانفرادية لكل لاعب في الدوري السعودي مثلا، يمكن بتحليل البيانات المتعلقة بخصائصه البدنية، والأعباء التراكمية الناتجة من التدريبات والمباريات وفترات الراحة التي مر بها، مع تتبع تاريخ الإصابات عبر المسيرة الكروية، يمكن بكل ما سبق من البيانات وضع نماذج تنبؤية دقيقة عن مخاطر الإصابات المحتملة التي يمكن أن يتعرض لها هذا اللاعب وفقا لجهده وعمره وأدائه، مع تحذيرات مبكرة يمكن بها للأندية والمدربين اتخاذ تدابير وقائية لمنع هذه الإصابات، وبالتالي، ليس فقط الاحتفاظ بكل لاعب في مستوى عال من اللياقة خال من الإصابات، لكن أيضا التزود بتقارير ممتازة تحدد أوقات الأداء الممتاز لكل لاعب في أشواط المباراة الواحدة، أو حتى عبر المواسم الكروية المختلفة، وهي أمور فائقة الأهمية للمدراء الفنيين والمدربين، خاصة في الاستراتيجيات التكتيكية أثناء المباريات كتلك المتعلقة بأوقات تبديل اللاعبين، أو تلك التعديلات الطارئة على خطط اللعب بسبب ديناميكية المباريات ومستجدات اللعب مع الفرق المنافسة، هذا فقط من سجل اللاعب الواحد.

أما حين نحلل السجلات التاريخية عن أداء كل اللاعبين في الدوري، فإننا قادرون على دراسة أنماط اللعب الشائعة لديهم جميعا، وبالتالي وضع قوائم بالمعايير القياسية للأداء الممتاز الذي يجب أن يتمتع به الفريق الواحد، وهو أمر حيوي جدًا للأندية في سد ثغراتها من المهارات، وفي البحث عن المواهب الصاعدة وفق محددات علمية سلفا، ومن ثم استقطاب هذه المهارات الصاعدة بحسب الحاجة الوظيفية لصاحب المهارة المفقود ضمن سائر مهارات الفريق. ومن كل ما سبق، فإننا على المدى الاستراتيجي، بصدد تطوير آليات الاستقطاب للاعبين الجديد بالقيمة السوقية العادلة على أسس علمية مستنيرة، محكومة بالطلب وبالعرض وبالحاجة أيضا إلى المهارة الكروية التي يتمتع بها في عمره الحالي بالمقارنة إلى أقرانه في نفس الفئة، ومن ثم تحديد طور مهاراته الحالية التي يتمتع بها من حيث الصعود أو النضج أو الانحدار.

ثم تصبح المسألة أكثر إمتاعًا وإثراءً، حين نعتبر جماهيرية اللاعب في الحسبان، فحين نعمل الذكاء الاصطناعي على ربط كل ما سبق بتحليل تفاعل الجماهير، وقراءة توقعاتهم وآرائهم، وتفضيلاتهم الكروية، وتعليقاتهم التي يحفل بها تويتر ويوتيوب، فإننا أمام مشهد رياضي متكامل، ممتع ومختلف، ومصمم لإمتاع الكرويين، ومثلما يوقد الحماس فإنه يعزز مبيعات التذاكر وينوع الإيرادات ويحسنها نحو إدارة مالية ممتازة للأندية واللاعبين، الأمر الذي يساهم بلا مواربة في رفع القيمة السوقية لكامل رابطة الدوري السعودي للمحترفين.

حسنًا، ما الذي يمنعنا من صناعة هذا المشهد الكروي الحافل؟
هذا هو التحدي الثاني، حيث يكمن السبب ببساطة في توافر البيانات، وفي جودة هذه البيانات، فتقانات الذكاء الاصطناعي التنبؤية، إنما تتغذى ابتداءً على البيانات التاريخية السليمة المجودة، لتستطيع بتحليلها التنبؤ بمآلات الأمور في المستقبل، فهل بدأت أنديتنا الكروية في الالتفات إلى بياناتها بصفتها أصولًا مهمة ذات قيمة اقتصادية مستدامة؟
إذا كانت الإجابة لا، فلابد من الالتفات إلى المسألة الآن، فتجويد البيانات وحوكمتها وإذاعة الممارسات المؤسسية السليمة لاستخدامها لتوظيفها تأخذ وقتا، والبدء فيها الآن كفيل بحرق المراحل نحو السبق والتميز على المستوى الإقليمي.

أما إذا كانت الإجابة نعم، فإننا أمام التحدي الثالث والأخير، وهو الحاجة إلى تمكين محترفي البيانات في المؤسسات الرياضية من العمل على هذه البيانات، وتدريبهم وتطويرهم على أدوات الذكاء الاصطناعي المستحدثة في المستويات الوظيفية الثلاث، مستوى العاملين على جمع هذه البيانات وتدقيقها وتوفيرها لعلماء البيانات أو الباحثين كما هو الحال مع بيانات الدوري الإنجليزي المنشورة في موقعه، ومستوى الإحصائيين وعلماء البيانات القادرين على صنع النماذج التنبؤية وتخصيصها وفاقاً للسياق السعودي، وأخيرًا مستوى المحللين الرياضيين القادرين على قراءة نتائج هذه التحليلات التنبؤية ونقدها، قبل إذاعتها ونشرها في قراءة المشهد الرياضي وتقديمه إلى الجماهير دون تحيز ولا تعصب.

غير ذلك، فإننا أمام سلسلة طويلة من الفرص الضائعة التي تصنعها بياناتنا الرياضية، لكننا غير حافلين بها في منافسة العالم.

المصدر: مال

اترك رد

Your email address will not be published.