الذكاء الاصطناعي في صناعة النفط والغاز .. آفاق جديدة وإمكانات بلا حدود

34

AI بالعربي – متابعات 

يتزايد استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي يومًا بعد يوم ليتجاوز كونه أداة اختيارية للاستخدام في كافة الصناعات، بل أصبح مكوناً أساسياً يفرض وجوده لدعم آفاق التطوير والنمو حتى في قطاعات كان التصور المبدئي أنها بعيدة عن استخدامه في عملياتها اليومية وعلى رأسها قطاع النفط والغاز.

وتشير دراسات إلى أن شركات النفط والغاز باتت تستخدم الذكاء الاصطناعي بكثافة على عدة محاور مما سيساعدها على تطوير اكتشافات جديدة وتعزيز الإنتاج من الأصول القائمة، وتحسين العمليات والسلامة والأمان.

7.9 مليار دولار

وفقا لتقرير صادر عن “ريسيرش آند ماركتس” المتخصصة في الأبحاث وبيانات السوق فإن حجم سوق الذكاء الاصطناعي العالمي في قطاع النفط والغاز سيصل إلى 7.9 مليار دولار بحلول 2032 من 2.6 مليار دولار في 2022 بنمو 21.1 بالمائة سنويا في الفترة بين 2022 و2032 مدفوعا بالحاجة لخفض تكاليف الإنتاج والصيانة، وارتفاع الطلب على معايير الأمان والسلامة، وزيادة تبني التقنيات المتقدمة في القطاع وارتفاع الاستثمارات والابتكار السريع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

ووفقا لاستطلاع أجرته “إرنست آند يونج” فإن 92% من شركات النفط والغاز حول العالم إما تستخدم حاليا الذكاء الاصطناعي أو تخطط لذلك في العامين المقبلين. كما يقول 50% من المسؤولين التنفيذيين في شركات النفط والغاز إنهم بدأوا في استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في حل التحديات داخل مؤسساتهم.

شل وتعاون مع سبارك

مثل إعلان شركة شل مؤخرًا عن التعاون مع شركة التحليلات “سبارك كوجنيشن” في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لزيادة إنتاجها من النفط البحري مفاجأة للقطاع. وقالت الشركتان إن شل ستستخدم تقنيات تقدمها سبارك في عملياتها للتنقيب والإنتاج في المياه العميقة لتعزيز إنتاج النفط البحري.

وستقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تطورها “سبارك” بمعالجة وتحليل كميات كبيرة من البيانات الزلزالية في عملية البحث عن مكامن نفطية جديدة مما سيؤدي إلى تقليل تكاليف التنقيب عن النفط في المياه العميقة وتسريع تلك العمليات.

وقالت الشركتان، إن النهج التقليدي لتصوير وتحليل البيانات في المياه العميقة يعتمد عادة على حجم هائل من البيانات وعمليات حوسبة عالية الأداء وخوارزميات معقدة قائمة على الفيزياء لتحليل وتحديد فرص الاستكشاف مما يعني وقتا أطول وتكلفة أعلى، لكن بدلا من ذلك فإن خوارزميات الذكاء الاصطناعي ستستخدم التعلم العميق لتوفير صور موثوقة لما تحت السطح باستخدام عمليات تصوير زلزالي أقل مما هو ضروري تقليديا مع الحفاظ على جودة الصور تحت السطحية.

وستستخدم البيانات الزلزالية لاكتشاف المزيد من الخام في المياه العميقة بهدف تطوير عملية أكثر كفاءة وإنتاجية.

يوفر هذا تسريعا كبيرا لسير العمل ووفرا في تكاليف عمليات الحوسبة عالية الأداء مما يفتح الباب أمام تطبيقات جديدة ومزيد من الابتكار.

وقال بيان الشركتين إن هذا النهج يجري تطبيقه لمعالجة مشكلات أخرى معقدة، حيث يمكن أن يكون لتقليل البيانات والوقت آثار كبيرة ويشمل ذلك فرص عمليات التنقيب البري عن النفط وتصوير الأقمار الصناعية لأنماط الطقس والأمن القومي وتقييم التهديدات.

و”سبارك كوجنيشن” متخصصة في تطوير حلول الذكاء الاصطناعي التي تسمح للمؤسسات بالتنبؤ بالنتائج المستقبلية وتحسين العمليات ومنع الهجمات الإلكترونية.

وتقول الشركة التي تقدم خدماتها لقطاعات الطاقة والتصنيع والتمويل والفضاء والاتصالات والدفاع والأمن، إن حلولها تساهم في منع التعطل غير المتوقع وتطوير الأداء إلى الحدود القصوى وتحسين الأسعار وضمان سلامة العمال مع تجنب الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات.

آفاق بلا حدود

يحمل استخدام الذكاء الاصطناعي آفاقاً بلا حدود لقطاع النفط والغاز الحيوي، حيث يمكن مثلا استخدام علم البيانات من أجل تحليل كم هائل من البيانات المعقدة المستخدمة في عمليات التنقيب عن الهيدروكربون.

ويقول الخبراء إن تبني الذكاء الاصطناعي يساعد الشركات على تحويل العمليات من خلال تحسين عمليات الحفر والاستكشاف إلى تبسيط عمليات الإنتاج والخدمات اللوجيستية. وفي ظل التقدم في التعلم الآلي وتحليلات البيانات الضخمة والأتمتة، يساعد ذلك قطاع النفط والغاز على إحراز تقدم ملحوظ في الكفاءة والسلامة والاستدامة البيئية.

تتضمن أيضا تطبيقات الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات الزلزالية والجوفية بشكل أسرع وتقليل أوقات توقف الآلات لأغراض الصيانة وتقديم توقعات أكثر دقة للمخزونات والتنبؤ بتأثر عمليات التشغيل سعيًا لتقليص تكاليف الصيانة.

الاستكشاف

بالطبع تستغرق عملية العثور على أفضل المواقع لاستخراج النفط والغاز وقتًا طويلاً، لكن أدوات الذكاء الاصطناعي باتت تلعب دورًا مهما في تحسين هذه العملية مع زيادة كمية البيانات المستخدمة في هذا الصدد، إذ يمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي جمع معلومات حول الخصائص الجيولوجية والجيوفيزيائية وغيرها لمناطق التنقيب مما يسفر عن نتائج أكثر سرعة وحسمًا.

يستخدم المنتجون الذكاء الاصطناعي لتحليل مواقع الآبار وتحديد أفضل الأماكن لحفرها وتحسين الإنتاج من أجل استخراج أقصى قدر من النفط والغاز في فترة زمنية تتسم بالجدوى الاقتصادية.

ويمكن للذكاء الاصطناعي عرض البيانات المعقدة بصيغة أكثر وضوحًا وسهولة، مما يساهم في أن يحدد المختصون المناطق الأكثر ملاءمة للاستخراج كما أن تلك البيانات تزوّد صانعي القرار بمعلومات مهمة تساعد في تحديد كميات النفط المحتملة في المكامن والجدوى التجارية لعمليات الاستخراج.

الصيانة

يقول المحللون إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يلعب دورًا حيويًّا بإمكانات لا حصر لها في صيانة المعدات والمرافق ومنصات الحفر ومراقبة الآبار وخطوط الأنابيب.

تستخدم الشركات العاملة في إدارة خطوط الأنابيب مثلا خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل التدفقات عبر الأنابيب ومراقبة الآبار والخطوط وتحديد موقع وحجم تسربات غاز الميثان الشائعة في هذا القطاع والتي تؤدي لخسائر ضخمة.

في الولايات المتحدة وحدها تشير التقديرات إلى خسارة نحو 43 ألفا و157 برميلا من النفط والوقود الحيوي في 2022 بسبب مشكلات في خطوط الأنابيب فقط.

وفي إشارة إلى أهمية هذا القطاع الحساس في الصناعة قال “كومار لاكشميباثي” مهندس الحلول الرئيسي لدي “أمازون ويب سرفيس” إن ما يقلق مسؤولي قطاع النفط والغاز ليس أسعار الخام، ولكن “التسرب النفطي المحتمل”.

وأضاف: “هذا ما يجعلهم مستيقظين أثناء الليل قلقين بشأنه… نريد منع حدوث ذلك، ولذا فإن أعمال الصيانة التنبؤية هي المفتاح لذلك”.

والصيانة التنبؤية، هي طريقة تعتمد على البيانات الضخمة وأجهزة الاستشعار عن بعد وتحلل حالات المعدات للتنبؤ بالوقت الذي تحتاج فيه إلى الصيانة، وستوفر على الشركات 630 مليار دولار بحلول عام 2025 وفقا لمسوح في القطاع.

وتركز العديد من أدوات الذكاء الاصطناعي على مساعدة الشركات على تقليل التكاليف وتجنب النتائج غير المرغوب فيها من خلال ما يسمى “الصيانة التنبؤية” وهي تقنية تعتمد على البيانات الضخمة وأجهزة الاستشعار عن بعد وتحلل حالات المعدات للتنبؤ بالوقت الذي تحتاج فيه إلى الصيانة.

وتتضمن تلك التقنية وضع أجهزة استشعار متصلة بمعدات النفط والغاز وتطبيق خوارزميات تتعلم السلوك الطبيعي فضلا عن استخدام البيانات الكبيرة وذلك للمساعدة على تتبع الاتجاهات الرئيسية بمرور الوقت ومنع فترات التعطل غير المخطط لها عبر التوصل إلى متوسط العمر الافتراضي لمكونات وآلات بعينها بناء على طبيعة الاستخدام، بحيث يمكن استبدال تلك المكونات قبل توقفها عن العمل بشكل مفاجئ مما يتيح نهجا استباقيا في التعامل مع عمليات الصيانة.

وقال لاكشميباثي: “هناك الكثير لتربحه منها، يمكنك استخدام الذكاء الاصطناعي لفعل ذلك، الكثير من الناس يكتفون برد الفعل، تتعطل آلة فتصلحها أو يقومون بأعمال صيانة وقائية. يمكنك تغيير الزيت في سيارتك كل ثلاثة أشهر، هذا أمر رائع، ولكنه غير فعال بشكل كبير”.

وأضاف: “مع التعلم الآلي، يمكن لنموذج ذكاء اصطناعي توقع حدوث عطل ما ووضع أمر لإصلاح ذلك العطل للفرق المختصة، بل وطلب تلك المكونات الجديدة لتصل إلى مكانها”.

كما يمكن أن تقلل أيضا تطبيقات الذكاء الاصطناعي من احتمالات حدوث التسرب عبر مراقبة خطوط الأنابيب والآبار خاصة في المناطق النائية التي لا توجد فيها عناصر بشرية طوال الوقت مما يقلل الموارد المفقودة أو يمنع وقوع خسائر.

شل والتحول الرقمي

يقول الخبراء إنه في ظل الطلب المتزايد على الطاقة والبيئات غير المتصلة والضغط لمكافحة تغير المناخ فإن شركات النفط والغاز باتت أمام تحدٍّ يحتم عليها الانتقال إلى نظام طاقة أكثر تنوعا ولا مركزية وتحسين العمليات الشاملة وهو ما يحتم عليها استخدام حلول الذكاء الاصطناعي.

ولشركة شل سبق في هذا الصدد إذ تطبق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي عبر كامل سلسلة التوريد في قطاع النفط والغاز مع أكثر من 160 مشروعا نشطا للذكاء الاصطناعي.

تستخدم الشركة على سبيل المثال التعلم المعزز في برنامج التنقيب والحفر لتقليل تكاليف استخراج الغاز. وتساعد أنظمة الحفر الآلية المدربة على بيانات جمعتها شل وبيانات من برامج المحاكاة مشغلي عمليات الحفر على فهم البيئة، وتسريع النتائج، وتقليل الصيانة والتكاليف.

تستخدم شل أيضا تطبيقات الذكاء الاصطناعي في محطات شحن السيارات الكهربائية العامة التابعة لها وذلك للتنبؤ بالطلب المتغير على محطات شحن السيارات الكهربائية على مدار اليوم بحيث يمكن توفير الطاقة بشكل أكثر كفاءة.

كما توظف الشركة كاميرات تدعم الرؤية الحاسوبية في محطات الوقود التابعة لها في سنغافورة وتايلاند لتحديد العملاء الذين يشعلون السجائر مثلا بالقرب من المضخات والسيارات أثناء تزويدها بالوقود بحيث يمكن تنبيه العاملين بشكل آلي لتقليل المخاطر.

ومؤخرا، دشنت الشركة برنامجا يسمح لعلماء البيانات ومهندسي الذكاء الاصطناعي اكتساب الخبرة عبر العمل في مجموعة متنوعة من مشاريع الذكاء الاصطناعي في جميع أنشطة شل.

كما طورت الشركة مجتمعا مركزيا يضم أكثر من 350 متخصصًا في الذكاء الاصطناعي يعكفون على تصميم حلول باستخدام التكنولوجيا عبر استخدام مجموعات هائلة من البيانات المتاحة في العديد من الشركات التابعة للمجموعة.

سمح الذكاء الاصطناعي لشركة شل باستخدام المراقبة التنبؤية لتعزيز تقنيات المراقبة المطبقة بالفعل، حيث يقول مسؤولو الشركة إن ما يقرب من 10 آلاف معدة تتم مراقبتها باستخدام الذكاء الاصطناعي من الصمامات والضواغط إلى الأجهزة والمخضات حيث يوفر الذكاء الاصطناعي تنبؤات حول فرص التوقف المفاجئ.

ولمراقبة كل تلك المعدات، يجمع 3 ملايين جهاز استشعار 20 مليار صف من البيانات كل أسبوع بينما يسمح ما يقرب من 11 ألف نموذج للتعليم الآلي للنظام بإجراء أكثر من 15 مليون عملية توقع يوميا.

قبل استخدام تلك التقنيات، كانت شل عادة تستبدل المعدات بعد فترة معينة مما يعني أنه تم استبدال الكثير من المعدات بينما كانت لا تزال في حالة جيدة وبالطبع فإن الاستراتيجية البديلة كانت الانتظار حتى تعطلها وهو ما يعني توقف أصول الإنتاج عن العمل مؤقتا لإجراء عمليات الإصلاح مما يؤثر سلبًا على عمليات الإنتاج.

مكنت الصيانة التنبؤية القائمة على الذكاء الاصطناعي الشركة من خفض تكاليف المعدات والصيانة عن طريق استخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة وتقليل فترات تعطل الإنتاج وتجنب التوقف غير المخطط.

المصدر : أرقام

اترك رد

Your email address will not be published.