قد نصنع نسخًا أفضل من أنفسنا في مستقبل الذكاء الاصطناعي

37

AI بالعربي – متابعات

يتوقع علماء أن يحل الذكاء الاصطناعي مكان البشر في 99 في المئة من الوظائف خلال العقدين المقبلين

حين انطلق الكلام عن الذكاء الاصطناعي قبل عقود من الزمن، كان الأمر برمته يدور حول الوظائف التي ستحل فيها الآلة محل البشر. وهذا مما أثار حفيظة معظم رافضي دخول الذكاء الاصطناعي إلى حياتنا لأنه سيأخذ منا أدوارنا ووظائفنا، والأكثر تشاؤما حينها، كانوا يعتبرون أنه سيتمكن من تطوير ذكائه إلى درجة يصبح فيها مستقلاً عن إدارة البشر، في حال تمكن الذكاء الاصطناعي من التعلم من تلقاء نفسه عبر ربط المعلومات مع بعضها كتلقين الآلة معلومتين، فتتمكن من تأليف معلومة ثالثة منهما، ورابعة في ما بعد وخامسة وهكذا دواليك، بل وتمكن الخيال العلمي في الروايات والأفلام، من تصوير عالم تسيطر عليه الآلة بينما يعمل البشر كعبيد عندها. أما الفيلم الأكثر جرأة في مثل هذا الموضوع، وهو الأول من نوعه في طرق مجالات أبعد من الذكاء الاصطناعي، كان فيلم “مايتريكس” (المصفوفة) الذي يصف البشر جميعا وكأنهم يعيشون داخل برنامج كمبيوتر كبير يديره أحد البشر من مكتبه، وهو تصوير مشابه لعلاقة البشر بالكون والأرض وخالقهم. وقد كان لهذا الفيلم تأثيره الكبير على هذا النوع من الخيال العلمي، حين توالت من بعده سلسلة الأفلام التي تصور مستقبل الإنسان المظلم من ناحية بسبب عدم توقعه ما يمكن للآلات أن تصل إليه، أو المستقبل المشرق بعد أن تمكن البشر من تسخير الآلات وتقنياتها وقدراتها في سبيل مصلحتهم العليا.

البطالة تتراجع في لائحة الأضرار

ومع تطور الذكاء الاصطناعي الفعلي بعيداً من الأفلام والخيال خلال العقدين الأولين من القرن الـ21، صار كثير من الخيال حقيقيا، ولم تعد المشكلة مع هذا النوع من الذكاء منحصرة في الأعمال التي سيفقدها البشر. ومثال عليها عمل ساعي البريد، فقد تقلص عدد سعاة البريد في العالم بما نسبته 80 في المئة، والأمر نفسه بالنسبة لسائقي الرافعات والناقلات في المرافئ والمطارات ومحطات القطارات وشركات الشحن، ومنها شركة “أمازون” التي تتخلى تدريجاً عن موظفيها، وقد تخلت قبل أسبوعين في الولايات المتحدة فقط عن تسعة آلاف موظف. حلت الآلة الذكية والمنضبطة محل هذا النوع من العمال، لأنها تعمل وفق برامج أكثر دقة وتنظيماً يمنعها من ارتكاب أخطاء تقنية كالتي قد يرتكبها العمال أثناء نقل الأوزان الضخمة. إلا أن أمر الذكاء الاصطناعي لم يبق محصوراً بالأعمال والبطالة، فقد بات يتناول مشاعر البشر وعواطفهم وطريقتهم في الكتابة والتعبير والرسم وتحليل الفنون وكتابة سيرة عاطفية، ثم تواصل الآلات الذكاء الاصطناعي ذاته في ما بينها، الذي يبدو أنه يطور نفسه بنفسه، ويمكن اعتبار الكمبيوتر الذي تعلم الشطرنج مثالاً بسيطاً وقديماً. فهذا الكمبيوتر اتبع طريقة البشر في التعلم والتكيف للتغلب على لاعب الشطرنج العالمي أناتولي كاسباروف في التسعينيات من القرن الـ20، وقد كان الأمر مثار اندهاش البشرية أن يتمكن كمبيوتر من هزيمة العقل البشري. والطريقة هي كالتالي: تمكن البشر من التطور والتقدم بسبب تعلمهم من الأخطاء المتكررة، وهذا ما فعله الكمبيوتر، ففي كل لعبة كان يحفظ مزيداً من النقلات الرابحة ويقلص عدد نقلاته الخاسرة نتيجة تراكم المعلومات في خوارزمياته، بالتالي بات من شبه المستحيل هزيمته، إذ يحفظ أكبر عدد ممكن من نقلات الشطرنج. وهكذا طورت الآلة الذكية نفسها عموماً ما مكنها من مراكمة معلومات وتصحيحها من تلقاء نفسها. وهذا الأمر هو الذي يثير التخيلات حول هيمنة الآلة الذكية أو الذكاء الاصطناعي على كوكب البشر و”استخدامهم كعبيد”.

مبادرات وطنية للذكاء الاصطناعي

في التعريف العام، يشير الذكاء الاصطناعي إلى تقنيات تحاكي ذكاء الدماغ البشري، وأي آلة تقوم بوظائف عقل الإنسان. وقد تضاعف الإنفاق العالمي على تقنيات الذكاء الاصطناعي، من 50 مليار دولار في 2020 إلى أكثر من 110 مليارات دولار في 2024. ولتحافظ الولايات المتحدة الأميركية على تصدرها في هذا المجال، أنشأت إدارة الرئيس جو بايدن “فريق عمل الموارد الوطنية لأبحاث الذكاء الاصطناعي” في قانون “المبادرة الوطنية للذكاء الاصطناعي 2020”.

ويعتبر أي عمل تقوم به الآلة ذكاء اصطناعياً في حال قيامها بهذا العمل بشكل مفاجئ وتنفيذ مبادرات مستقلة، على أن تكون هذه المبادرات خالية من القيم والمشاعر الإنسانية. وتستطيع نظم الذكاء الاصطناعي التنبؤ واتخاذ القرارات في حالات واقعية وافتراضية من خلال ما يسمى التعلم العميق والتعلم المعزز وبواسطة استدلال الآلة، ويشمل التخطيط والجدولة أو البرمجة وتمثيل المعرفة والبحث والتحسين، لذلك وضعت الـ”يونيسكو” وثيقة المشروع الأولى للتوصيات الخاصة بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، لحماية وتعزيز حقوق الإنسان وكرامته واحترام سيادة القانون في العالم الرقمي.

برأي الباحثين والمهتمين بمآلات الذكاء الاصطناعي، فإن خطورته تكمن في قدرته على القيام بالعمل وعكسه، فهو يحمي البرمجيات ضد المخترقين، ويمكن استخدامه لاختراق البرمجيات في الوقت عينه.

مثلاً يمكن للدرون أن تنقل الطرود والرسائل وتقوم بخدمات مدنية، ولكنها قد تحمل قذف المتفجرات وتصبح سلاح دمار شامل. أما الهاتف المحمول الذي سهل حياة مليارات البشر وتحديداً في الاتصالات حول العالم، فتح باب التواصل على مصراعيه في كل المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، إلا أن هذا الهاتف يمكنه أن يتحول إلى مرض في حد ذاته، فهو مسبب للإدمان. ويقول بعض العلماء، إن إدمان الهاتف المحمول وتطبيقاته يشابه في التركيب الدماغي إدمان الكحول والمخدرات. ويمكن لهذا الهاتف أن يصبح شخصاً ثالثاً في حل وجودك مع شخص آخر، وذلك حين يقدم لك خيارات إعلانية أو تطبيقات تفيدك في موضوع تتناوله مع شخص آخر.

وكأن الآلة تسترق السمع إليك، ثم تأتي القدرة على مراقبة حامل الهاتف أينما كان عبر شبكة عالمية من الكاميرات وأجهزة المراقبة، وجمع المعلومات التي تملكها شركات التقنية الكبرى. وفي هذه الحالة يتحول الهاتف من أداة مفيدة إلى آلة مضرة، هذا من دون التطرق إلى نتائج إدمان الهاتف على العلاقات العائلية بين الأهل وأولادهم، وعلاقة هؤلاء بأقرانهم، التي باتت منذ اليوم تختلف اختلافاً شديداً عن علاقات جيل الأهل، الذي عايش مرحلتي ما قبل الهاتف المحمول وما بعده، أو ما قبل ثورة الاتصالات وبعدها. ومن الواضح أن الفرق في التفكير والتحليل باتت مختلفة بين الجيل المراهق الحالي وأهله، إذ تتسع الهوة الثقافية والفكرية بينهما.

مواطن ذكاء اصطناعي

الآلة اليوم تتمكن من تصنيع هياكل وأجهزة وأنظمة وجسيمات صغيرة الحجم، مثل تكنولوجيا النانو، تستخدم في الأدوية والقضاء على الشيخوخة، والموارد الكيماوية للزراعة المستدامة، وحاسبات بيولوجية فائقة السرعة، وأسلحة متطورة، ونمو الاقتصاد، وروبوتات نانوية تسبح في الجسم بتحكم الدماغ لعلاج الحالات صعبة التشخيص.

ولكن السؤال يكون عادة: ماذا لو تمت برمجة مركبة آلية على القيام بمهمة معينة بالوصول إلى هدف ما، ثم تبين أن إمكانية إيقافها تبدو لها تهديداً يعوق إنجاز مهمتها؟

وهناك النوع الجديد من الحروب الذي يمكن للآلة الذكية أن تؤديه، مثل حرب اختلاق المعلومات باستخدام الوسائط المزورة المضللة كأسلحة. ويعد الإقناع والمصداقية في الوسائط المزورة تحدياً أخلاقياً لعالم يرتاب في ما يراه أو يسمعه. مثلاً يمكن للآلة أن تقوم بالتزوير العميق عبر اختلاق لوحة رقمية مزيفة، وقد تمت تجربة الأمر مع الرسام فان غوخ، إذ تمكن الذكاء الاصطناعي من توليف لوحة مفترضة للرسام الهولندي العالمي لم يرسمها، ولكن لا يمكن لأي باحث أو ناقد أو خبير للوحات فإن غوخ أن يميز هذه اللوحة عن لوحاته الأصلية، ولو أنها غير موجودة أصلاً. وهكذا يمكن لصاحبها القول إنها وجدت في أحد الصناديق القديمة لدى أحد أصدقاء فإن غوخ، وهكذا يمكن تحويلها إلى لوحة حقيقية. وهناك آلاف عمليات التزوير التي تجري على هذا المنوال في أنواع مختلفة من الفنون والأعمال التقنية أيضاً.

وبسبب تقنيته البسيطة والقدرة على الإقناع، ينمو استخدام المزيفات العميقة ولكن من أجل الابتزاز والترهيب والتخريب والتشهير والانتقام الإباحي وسرقة الهويات والاحتيال المالي والتنمر، والخداع السياسي وحروب المعلومات المضللة. وبحسب بحث واسع قام به فريق تحرير إحدى المجلات حول الذكاء الاصطناعي في سلبياته وإيجابياته، تبين أن النتائج السلبية أكبر بكثير من الإيجابية في حال استخدام الذكاء الاصطناعي بجهل، والسبب أن ما يمكن أن يؤدي إلى النتائج السلبية قد يكون خطأ بشرياً بسيطاً أو عدم تقدير لقدرات الآلة على تطوير نفسها بنفسها لتنفيذ مهام تعينها لنفسها أيضاً. وكتب سامر عبيدات المدير التنفيذي لمجموعة “ستاليون للذكاء الاصطناعي” في ذلك البحث، أنه كمواطن ذكاء اصطناعي (Artificial Intelligence Citizen) في عام 2035، “يكفي أن أفوض توأمي الرقمي الذكي اصطناعياً (Digital AI Twin) لحضور الاجتماعات الطارئة كلها، والقيام بالمهام الروتينية نيابة عني، بالتالي سيصبح بمقدوري التمتع مع عائلتي بعطلة نهاية أسبوع هانئة من دون التفكير بوجود أمور مهمة في العمل قد تفوتني”، لكن هناك سيناريو لمستقبل مظلم. فعلى رغم أن هذه التكنولوجيا تعد بعالم أفضل، فإن المستقبل يهدد كثيراً من العمال المهرة بفقدان وظائفهم، وسيطول التهديد الدول النامية، وخصوصاً في المنطقة العربية وأفريقيا.

لكن الوجه المشرق من الأمر أنه بدلاً من استبدال البشر يمكن تعزيز واقعهم، إذ يمكننا أو قد يكون بمقدورنا أن نتطور جنباً إلى جنب مع الذكاء المعزز لنصبح نسخاً أفضل من أنفسنا.

المصدر: independentarabia
اترك رد

Your email address will not be published.