الفلسفة والذكاء الاصطناعي

72

الفاهم محمد 

لقد غيرت الثورة المعلوماتية الحضارة البشرية بشكل غير مسبوق. إنها ثورة لا تنحصر فقط في إيجاد مخترعات وأدوات جديدة، بل هي تتعدى ذلك إلى إمكان إحداث صدمة كبيرة، وخصوصًا فيما كان يعتبر إلى عهد قريب، شيئاً مقصوراً على الإنسان ألا وهو الوعي. إن علم البيانات والذكاء الاصطناعي، ربما يسير اليوم بشكل تدريجي إلى منافسة الإنسان في بعض ما كان يفخر به، ذلك الامتياز الذي يحقق بواسطته تميزه عن باقي الكائنات.
ولكن مهلًا، هل حقًا يمكن أن يصبح الذكاء الاصطناعي مماثلًا للذكاء البشري؟ هل يمكن فك شيفرة عمل الدماغ ورقمنة الوعي؟
من دون شك تتضمن الثورة المعلوماتية إغراءات كبيرة جدًا. لقد أصبحت تندسُّ في كل تفاصيل الحياة اليومية، من القيادة الذاتية إلى المعلم الآلي، مرورًا بروبوتات الرعاية الاجتماعية للمُسنين، والاستخدامات الكثيرة الأخرى.

لقد تمكن الكمبيوتر من حل ومعالجة أصعب المهام، التي كانت تستعصي، وربما تستحيل، على العقل البشري. في البيولوجيا مثلاً يتم حساب المعلومات داخل الحمض النووي وهي معلومات هائلة الحجم. وفي علم الفلك يتم توظيفه من أجل معالجة البيانات الفلكية التي تحيل على عدد النجوم والمجرات.
وبفضل الذكاء الاصطناعي بات بإمكاننا اختزال الوقت والجهد، وتجنب الأخطاء العرضية الناتجة عن ضعف الانتباه، والهفوات المميزة للسلوك البشري. وهكذا من دون شك تمتلك الآلة الذكية كفاءة خارقة، لا يتوفر البشر على أي حظ في مضاهاتها. فهل علينا أن نذعن لهذا التفوق؟ هل يمكن أن نفوض بعض قراراتنا الإنسانية الأساسية لصالح الذكاء الاصطناعي؟

مفهوم الذكاء الاصطناعي
يطلق مفهوم الذكاء الاصطناعي، وهو مصطلح صاغه جون ماكارتي سنة 1955 وطوره فيما بعد مارفن مينسكي، على مجموع التقنيات والخوارزميات المشكَّلة على هيئة تطبيقات، والتي تسعى إلى محاكاة الذكاء البشري. ولتحقيق هذا الهدف نحتاج إلى تزويد الكمبيوتر ببيانات هائلة Big data يقوم بمعالجتها بسرعة. ونميز عادة بين الذكاء الاصطناعي الضعيف والقوي. الأول هو ذلك الذكاء الذي يكون مبنياً على قاعدة برامج، يتم تزويد الكمبيوتر بها مسبقًا. كما هو الحال مثلًا مع «ديب بلو» الذي هزم بطل العالم للشطرنج غاري غاسباروف، حيث زود مسبقاً بكافة الوضعيات الممكنة لرقعة الشطرنج ليختار منها الأنسب.

التعلم العميق
أما الذكاء القوي فهو مبني على فكرة التعلم العميق Deep Learning الذي يتيح للروبوتات أن تتعلم بشكل ذاتي، وأن تحاكي عمل الدماغ البشري، في محاولة منها لحل المشكلات التي تعترضها، دون الرجوع إلى الإنسان.
إن النوع الأول من الذكاء يظل محدودًا، وأخطاؤه قابلة للمعالجة والتطوير. أما النوع الثاني فهو قد يشكل تهديدًا حقيقيًا، بحكم استقلاله عن الإنسان، وقد أبدى العالم الأميركي المختص في مجال الفيزياء النظرية متشيو كاكو تخوفاته إزاءه، حينما قال إن علينا أن نظل محافظين على إمكانية قطع التيار الكهربائي عنه.
والحال أن المتحمسين لإمكانية تجاوز الذكاء الاصطناعي للذكاء البشري كثيرون، نذكر منهم راي كورتزفايل الذي، حسب طرحه، يسير التطور في هذا الميدان نحو بلوغ المفردة the singularity وهي نقطة قد يتجاوز فيها الإنسان حدوده البيولوجية، كي يندمج مع الآلات! وهناك أيضا ستانيسلاس دوهين الذي يعتقد، من منطلق علم الأعصاب، أن بالإمكان فك شفرة الوعي، كما يعبّر عن ذلك عنوان كتاب له في هذا المجال. أما المعترضون فيمكن أن نذكر منهم الفيلسوف الأميركي جون سورل الذي يؤكد أن الذكاء الاصطناعي مهما تطور ستظل القصدية، أي إدراك المعنى، غائبة عنه، وهذا الوعي أو القصدية جانب أساسي في الوعي الإنساني، وبدونه لا شعر ولا فلسفة ولا تفكير حقيقيًا.

اترك رد

Your email address will not be published.