“مرقوق” بالذكاء الاصطناعي
فهد إبراهيم المقحم
فكرة الروبوتات الذكية ليست بالجديدة، فقد وردت قبل الميلاد في الأساطير اليونانية.
كما أن هناك أسطورة صينية كتبت في القرن العاشر قبل الميلاد تدعي وجود روبوت ذكي في مجلس «مو»، الملك الخامس لسلالة تشو الصينية، كانت من اختراع عالم يدعى «يان شي»، حيث يستطيع هذا الروبوت محاكاة الإنسان في عدة وظائف، مثل: المشي والتحدث والغناء!
استمر هذا الحراك وهذا الطموح عبر القرون المتعاقبة، فعلى سبيل المثال، قدم أبو الكيمياء جابر بن حيان في القرن التاسع نظرية «الخيميائية العربية للتكوين»، والتي تتمحور حول المحاكاة الاصطناعية للمخلوقات، بما في ذلك القدرات والوظائف البشرية.
وفي القرن الثالث عشر، ابتكر إسماعيل الجزري «الأوركسترا العائمة»، والتي تعد أول جهاز قابل للبرمجة ويعمل بشكل تلقائي.
وفي القرن السابع عشر، اخترع بليز باسكال أول آلة حاسبة رقمية.
كما قام جوتفريد لايبنيز بدراسة ما سبقه من نظريات واختراعات، مثل آلة باسكال والزيرجا، وهي أداة فلكية عربية، ليصل إلى تطوير نظام العد الثنائي، والذي مكنه من محاكاة التفكير المنطقي لإنتاج الحجج والاستنتاجات بشكل آلي.
وفي منتصف القرن العشرين، أنجز أول عمل جوهري في مجال الذكاء الاصطناعي من قبل عالم المنطق ورائد الحاسب الآلي البريطاني آلان تورينج.
يعد الأديب التشيكوسلوفاكي، كارل تشابيك، أول من أدخل كلمة «روبوت» إلى اللغة الإنجليزية الحديثة من خلال مسرحية له عرضت في لندن عام 1923م، وتعد ورشة العمل التي أقيمت في كلية دارتموث بأمريكا عام 1956م ولادة لأبحاث الذكاء الاصطناعي ضمن مجالات علوم الحاسب. ويرى المشاركون في هذه الورشة بأنهم مؤسسو ورواد علم الذكاء الاصطناعي الحديث، إذ استطاعوا برؤيتهم الطموحة التي تستهدف إنتاج آلات قادرة على القيام بأي عمل يمكن للإنسان القيام به، في غضون عشرين عاما، جذب أنظار الأفراد والحكومات، وتلقى دعما سخيا خلال خمسينات وستينات القرن الماضي. لكن وبسبب الصعوبات التي رافقت أعمال البحث والتطوير، مثل محدودية البيانات والإمكانات التقنية، لم يستطع الباحثون حينها من تحقيق أهدافهم، وخلصوا إلى نتائج محبطة مقارنة بتلك الرؤية المبالغ فيها، مما أدى إلى إحجام الحكومات الغربية عن الاستمرار في الدعم خلال سبعينات القرن الماضي، والذي نتج عنه ما يعرف بـ «شتاء الذكاء الاصطناعي»، إشارة إلى اضمحلال بريقه وقلة الجهود المبذولة فيه.
مع بداية ثمانينات القرن الماضي عاد الذكاء الاصطناعي إلى الواجهة من جديد، بعد أن اتخذ اتجاهات أخرى تمحورت حول التمثيل الدلالي للمعارف تسهيلا لتفسيرها وتحليلها ومن ثم بناء القرارات حيالها، والتي أدت إلى ظهور ما يمسى بالأنظمة الخبيرة Expert Systems. بعد ذلك، انتقلت الأنظار من الغرب إلى الشرق، وتحديدا في اليابان، بعد أن نجحت جامعة واسيدا في صناعة أول روبوت متكامل الأطراف له القدرة على السير والتحدث ونقل الأشياء، مما دفع الجهات والمستثمرين لدعم أبحاث الذكاء الاصطناعي مجددا بمليارات الدولارات؛ ولكن بحلول أواخر الثمانينات أصيبوا بخيبة أمل وقرروا على إثره سحب الدعم والتمويل، ليحل الشتاء مرة أخرى على الذكاء الاصطناعي.
ومع التقدم السريع للأجهزة والإمكانات التقنية، وانتشار نطاق استخدام الإنترنت، ووفرة البيانات الضخمة، وتطور الخوارزميات وأدوات التحليل واتخاذ القرار، ونضج ارتباط الآلة بعلوم أخرى مثل المنطق والتفكير والحساب، ازدهر الاستثمار والاهتمام بالذكاء الاصطناعي مجددا بداية القرن الحادي والعشرين، وبدأت تقنياته تقتحم مجالات شتى، كالتعليم والصحة والصناعة والخدمات، ولمع بريقه بتزايد عدد الحكومات والشركات التقنية الكبرى المتنافسة في مضماره؛ إلا أن التحديات لا تزال قرينة لهذه النجاحات؛ فهل سينجح مناصرو الذكاء الاصطناعي هذه المرة في تجاوزها وتحقيق رؤية المؤسسين التي وضعوها قبل أكثر من ستين سنة!
ولربما تتساءل هنا أخي القارئ عن التباين بين ما نسمعه بين الفينة والأخرى حول تقنيات ومنتجات الذكاء الاصطناعي؟ فأقول لك أولا، يجب أن نتفق على أن الذكاء الاصطناعي، وإن بدأت شرارته قبل الميلاد، فهو لا يزال مجالا رحبا للتطوير والتحسين، والآمال المعلقة عليه أكبر بكثير مما وصل إليه! الأمر الآخر، يجب أن نعرّف الذكاء الاصطناعي حتى نحتكم إليه في معرفة ما إذا كان هذا المنتج أو تلك التقنية تصب في مجاله؟ يعرف قاموس أكسفورد «الذكاء الاصطناعي» على أنه «نظرية وتطوير لأنظمة حاسوبية من أجل أن تكون قادرة على أداء مهام تتطلب ذكاء بشريا».
هذا يجعلنا نتساءل أيضا عن ماذا نعني هنا بالذكاء البشري؟ هل هو القدرة على حل المسائل الرياضية المعقدة؟ أم فنون الرسم؟ أم هو الذكاء العاطفي؟ أم القدرة على الفهم والتفكير المجرد؟ ولو عدنا إلى قاموس أكسفورد لوجدنا أن تعريف «الذكاء» هو «القدرة على اكتساب وتطبيق المعرفة والمهارات». من هنا ندرك سبب ذلك التباين الذي يخبر عن منتجات وحلول معقدة وأخرى مبسطة خرجت كلها من رحم الذكاء الاصطناعي!
وإجمالا، يمكن تقسيم تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى ثلاثة أنواع:
1 – الذكاء الاصطناعي الموجه/البسيط Artificial Narrow Intelligence (ANI): وهي تطبيقات لتحقيق هدف محدد، وفق مهمة معرفة مسبقا، وفي مجال محدد، مثل: التعرف على الصوت أو الوجه، والقيادة الذاتية، وحجب رسائل البريد الالكتروني غير المرغوبة.
2 – الذكاء الاصطناعي العام/العميق Artificial General Intelligence (AGI): وهي تطبيقات لها القدرة على التفكير والفهم والتعلم، كالعقل البشري، وتطبيق ذكائها لحل مشكلات معقدة ومتجددة في مجالات متنوعة، وهو اليوم يمثل تحديا قائما لم تستطع المراكز البحثية والشركات التقنية الرائدة بعد من تحقيق أي تطبيقات ناجحة من هذا النوع.
3 – الذكاء الاصطناعي الفائق Artificial Super-Intelligence (ASI): وهي تطبيقات يتوقع منها أن تتجاوز قدرة البشر على الفهم والتفكير، وبالتالي لا يمكن التنبؤ بالقرارات التي يمكن أن تتخذها. ومع أن هذا النوع لا يزال نظريا، إلا أن هناك تحذيرات من تبعاته وخطورته أطلقتها شخصيات بارزة، مثل عالم الفيزياء ستيفن هوكنج، ورجل الأعمال إلون ماسك، في حين يرى آخرون أن هذا النوع لا يعدو كونه مجرد خيال علمي لن يصل إلى أرض الواقع!
بالمناسبة، من أراد أن يتذوق «المرقوق» باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي فيمكنه الاستعانة بأحد روبوتات الطبخ، مثل Samsung›s Bot Chef أو Moley Robotic Kitchen؛ للحصول على وجبة سعودية فاخرة وذكية.