كيف يمكن للذكاء الاصطناعي معالجة التحديات التي يواجهها قطاع الرعاية الصحية؟
AI بالعربي – متابعات
كثيرًا ما عانى قطاع الرعاية الصحية في الهند من مشاكل متعددة لعدة عقود. إذ تفتقر الهند إلى وجود بنية تحتية قوية للقطاع الصحي الخاص بها، ووجود أوجه قصور بين عمليات العرض والطلب، بالإضافة إلى ضعف آليات تقديم الرعاية الصحية في العديد من القطاعات الأخرى للنظام. وأصبحت هذه الصورة أكثر وضوحًا منذ انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19). كما أصبحت التساؤلات التي تثار حول جودة الخدمات الطبية وتكلفتها وإمكانية الوصول إليها أكثر إلحاحًا وبروزًا.
يتطلب التصدي لمشكلات قطاع الرعاية الصحية ومعالجتها توفير استثمارات مالية ضخمة. ورغم ذلك، لم يتجاوز الإنفاق على قطاع الرعاية الصحية في الهند نسبة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018 مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 9.8%. لذلك، ستؤدي عمليات إنفاق أي استثمارات إضافية في هذا الصدد إلى تحقيق العديد من النجاحات والإنجازات. يمكن للتكنولوجيات الحديثة، بالنسبة لصانعي السياسات، المتعلقة بقطاع الرعاية الصحية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، تقديم حلول جدية لمعالجة تلك المشكلات.
يُقصد بمصطلح الذكاء الاصطناعي محاكاة العقل والذكاء البشري في الأجهزة الحاسوبية والآلات. ويتم القيام بذلك عن طريق تحويل البيانات إلى معلومات باستخدام الخوارزميات، مما يُمكِّن الذكاء الاصطناعي من التعلم والتفكير وطرح حلول للمشكلات كما يفعل البشر، ولكن بسرعة فائقة ودقة متناهية. يمتلك الذكاء الاصطناعي، نظرًا للنمو المطرد الذي يشهده قطاع البيانات والبنية التحتية الخاصة بها، القدرة على تحويل أنظمة الرعاية الصحية الحالية بصورةٍ آنيةٍ؛ إذ يمكنه إنشاء نظام رعاية صحية فعال من حيث التكلفة والكفاءة واستخدام الموارد المتاحة، بالإضافة إلى كونه نظامًا موجهًا صوب احتياجات المريض، ويمتاز بسهولة الوصول إليه من خلال تطبيقاته في الممارسة الطبية السريرية، وخدمات الرعاية الصحية، وإدارة المستشفيات، والبحوث الطبية الحيوية، وعملية صنع واتخاذ القرار.
الممارسة الطبية السريرية
يعاني قطاع الرعاية الصحية في الهند من نقص الموظفين، وهو ما أدى إلى التأثير على سلامة المرضى، وذلك بسبب زيادة احتمالية حدوث الخطأ البشري ونقص تقديم خدمات الرعاية الصحية في الأوقات المناسبة، بالإضافة إلى تدني وسوء جودة الخدمات الصحية المقدمة. لذا، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في التخفيف من حدة تلك المشكلات، حيث يمكن استخدام المعلومات من السجلات الصحية الإلكترونية لتحديد الأنماط المعقدة من المجموعات الكبيرة من البيانات. ويمكن أن تؤدي النمذجة العلمية إلى التنبؤ بالنواتج المختلفة وتصنيف مجموعات المرضى والعثور على ارتباطات مخفية. فعلى سبيل المثال، قام “جوجل هيلث” – Google Health بتطوير خوارزمية ذكاء اصطناعي للكشف المبكر عن سرطان الثدي. وتمت دراسة الكفاءات المتتالية في إيجاد الحلول في ورقة بحثية في مجلة “نيتشر”- Nature، وتبيَّن أن الأداء يظل ثابتًا أثناء تقليل عبء العمل. ويمكن لصانعي السياسات تمكين الأطباء، بتشجيع الاعتماد على مثل تلك الحالات التي يتم فيها استخدام الذكاء الاصطناعي، من اتخاذ القرارات المستندة إلى الأدلة في الوقت المناسب. وتشمل المجالات المحتملة لتشجيع استخدام الذكاء الاصطناعي التنبؤ بالمخاطر والكشف والتشخيص واختيار العلاج والأتمتة والمراقبة.
خدمات الرعاية الصحية
يسافر سكان المناطق الريفية في الهند مسافات طويلة للوصول إلى مرافق قطاع الرعاية الصحية الأساسية. كما يؤثر عدم كفاية المرافق وتغيب الأطباء في حصول سكان تلك المناطق الريفية على الخدمات في الأوقات المناسبة. تعتبر العيادات الذكية القائمة على الذكاء الاصطناعي حلاً محتملاً في هذة المناطق. ويمكن للموظفين، مع أقل قدر من التدريب، أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي لتشخيص الأمراض ومراقبة العناصر الحيوية ووصف العلاجات وبدء الإحالات. ويمكن نقل الأفكار الناتجة عن الذكاء الاصطناعي إلى المتخصصين الذين يستخدمون قدرات الحوسبة السحابية والبنية التحتية للاتصالات؛ وبالتالي، إنشاء نظام يستطيع المتخصصون من خلاله تقديم الخدمات الطبية للمناطق الريفية عن بُعد. تُظهر شركة Portal Telemedicine البرازيلية الناشئة ذلك في أكثر من 300 عيادة متنقلة في جميع أنحاء المناطق الريفية في إفريقيا والبرازيل، حيث تتكامل منصة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها مع الأجهزة الطبية التي تعمل على نقل البيانات إلى السحابة. وفيها تقوم نماذج الذكاء الاصطناعي بتشخيص المشكلات دون تدخل بشري، ثم يعمل المتخصصون في إجراء عمليات التشخيص عن بُعد. وبالنظر إلى أن عدد سكان المناطق الريفية في الهند بلغ 65.5% من إجمالي سكان الدولة في عام 2019، يمكن أن يكون هذا النموذج مفيدًا لتحسين إمكانية الوصول إلى خدمات قطاع الرعاية الصحية في المراكز الفرعية النائية ومراكز الرعاية الصحية الأساسية في الهند، حيث يتردد المتخصصون في كثير من الأحيان في تقديم الخدمات.
إدارة المستشفيات
هناك أوجه قصور حادة في سلسلة توريد وتوصيل الأدوية ومعدات قطاع الرعاية الصحية في الهند؛ لأن إدارة المخزون غالبًا ما تعتمد على العمليات اليدوية، وذلك لوجود عدد قليل من الآليات الفعالة التي تضمن كفاءة سلسلة التوريدات. ويمكن أن يحدث الذكاء الاصطناعي الكثير من التغييرات الهامة في هذا الصدد، إذ من الممكن أن تتنبأ النماذج بممارسات عملية الشراء ورصد عمليات الامتثال وتحسين أوقات تقديم الخدمات وتقليل حالات نفاد المخزون أو الإفراط في التخزين. كما تساعد بشكل عام في اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً. وتساعد حالات الاستخدام الأخرى أيضًا في الإدارة والجدولة واكتشاف عمليات الاحتيال وتتبع العمليات.
قامت شركة Lumiere32، على سبيل المثال، وهي شركة ناشئة يقع مقرها في سنغافورة بإطلاق منصة إدارة المخزون القائمة على الذكاء الاصطناعي في الفضاء، والتي يمكن بواسطتها التنبؤ بعمليات الطلب ونفاد المخزون وتتبع تواريخ انتهاء الصلاحية باستخدام العمليات السابقة وغيرها من المعلومات ذات الصلة. كما تساعد في تقليل التكاليف وتخصيص الموارد بكفاءة عالية وتحسين رعاية المرضى. فيمكن للمنصات التي تعتمد على البيانات، داخل قطاع الرعاية الصحية في الهند، تحسين إدارة سلسلة التوريد، خاصةً أن صناعة المستحضرات الصيدلانية والأدوية مجزأة إلى حد كبير وغير موحدة عبر المناطق المختلفة في الهند.
الأبحاث الطبية البيولوجية والمترجمة
تواجه الهند تحديًا مزدوجًا يتمثل في العبء الناجم عن الأمراض وضعف الموارد المتاحة. هناك حاجة مستمرة إلى علاجات جديدة للتعامل مع التحديات الوبائية المتنوعة للهند كونها دولة نامية. وعلى الرغم من ذلك تعاني الهند من البطء في عملية تطوير الأدوية والمستحضرات الصيدلانية. كما تحتاج مثل تلك العمليات إلى تكلفة عالية وعمالة كثيفة. حيث تستغرق عملية إنتاج الدواء الجديد ما بين 10 إلى 15 عامًا ويكلف أكثر من 2.6 مليار دولار أميركي في المتوسط. وبإمكان الذكاء الاصطناعي تقليل التكاليف والوقت المستغرق في مثل هذه الحالات، وذلك من خلال أتمتة طرق جمع البيانات، وإجراء التجارب، والوصول إلى النقاط الأساسية، وتصنيف الجينات، والتنبؤ بالسمية الكيميائية، وما إلى ذلك. وتشمل الحالات التي من الممكن أن يتم فيها استخدام الذكاء الاصطناعي، الدلالات الحيوية واكتشاف الأدوية وإعادة تحديد الغرض من الأدوية وتحديد أولويات الأهداف.
وتُعد شركة Standigm الكورية الناشئة أحد الأمثلة في هذا المجال، إذ يعمل المنتج الخاص بها الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي على منع حدوث البدايات الخاطئة في عمليات تطوير الأدوية. كما أوجدت الإمكانيات الجديرة بالملاحظة ما قبل السريرية لبعض الحالات التي تعاني من التوحد ومرض باركنسون. ويمكن لهذه الوظيفة أيضًا تسريع عملية تطوير اللقاح بشكل كبير في جائحة فيروس كورونا المستجد المستمرة حاليًا، ولا سيما في سياق المتغيرات الناشئة لفيروس كورونا. كما يمكن أن تقلل من التخمينات الطبية من خلال اكتشاف الأنماط البيولوجية، وتحديد مركبات اللقاح المفيدة المحتملة، والقضاء على المركبات غير المناسبة، والتنبؤ بفعالية اللقاح، وما إلى ذلك.
صنع واتخاذ القرارات
أبرزت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19) أهمية التخطيط والإدارة والتنبؤ بالمستقبل. فمن الممكن استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات التخطيط واتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات. كما يمكن التنبؤ بتفشي الأمراض والمواقع المحتملة للعدوى، والإخطار بسياسات الإغلاق، والسيطرة على انتشار المعلومات المضللة. على سبيل المثال، طورت شركة BlueDot الكندية خوارزمية ذكاء اصطناعي للإشارة إلى تفشي الأمراض المعدية. ونُشرت النتائج الخاصة بالنموذج السابق في مجلة “ذا لانسيت” – Lancet الطبية، حيث أظهرت تلك النتائج توقعات بتفشي فيروس “زيكا” في ولاية فلوريدا قبل ستة أشهر من حدوثه. كما تنبأ النموذج أيضًا بمجموعة من حالات “الالتهاب الرئوي غير المعتاد” في مدينة ووهان بتاريخ 30 ديسمبر من العام 2019.
وفي النهاية، يمكننا القول إن الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي لا تُعد ولا تُحصى. حيث يمكن، عند التطبيق الناجح للذكاء الاصطناعي، ضمان كفاءة النظم الصحية وضمان وضع الأسس السليمة لتقديم رعاية صحية شاملة وفعالة من حيث التكلفة والجودة العالية. على الرغم من ذلك، تظل بعض المشكلات في هذا القطاع عصية على الحل. ومن هذه المشكلات: عملية اتخاذ القرارات، والضوابط التنظيمية، وعمليات التنفيذ، والإجراءات المتعلقة بالأخلاقيات. تتضمن بعض العراقيل التي قد تؤثر في ترجمتها في الممارسات العملية، البيانات الصحية والطبية غير المكتملة، والافتقار إلى الشفافية في عملية اتخاذ القرار، والتكامل البطيء لسير العمل، وعدم وضوح المساءلة والمسؤولية.
ومع ذلك، من خلال الاستثمار في أفضل الممارسات العالمية الناشئة ودراستها واعتمادها، يمكن لواضعي السياسات تحقيق المزيد من الثقة في هذه التقنيات، وتصميم نظام جيد للرعاية الصحية التحويلية لا يتطلب الكثير من الموارد وسهل الوصول إليه، بالإضافة إلى كونه فعالاً من حيث التكلفة، ويمتاز بالدقة، ويقدم نتائج قابلة للاختبار علميًا، ويسهل نشره وإدارته على نطاق واسع.
المصدر: