الذكاء الاصطناعي في الأمن.. إسهامات تعزز القدرات
AI بالعربي – “خاص”
أَسهمت الاستخدامات المُتزايدة للذكاء الاصطناعي في عدد كبير من المجالات التجارية والصناعية والمعلوماتية والأمنية وغيرها، في بروز حالة من الازدواجية طرحتها تلك الاستخدامات، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي بمثابة سلاحٍ ذي حدين، فهو من ناحية يُعزّز من قُدُرات تقديم الخدمات في كافة المجالات، إلا أنّه قد يُستخدم في الوقتِ ذاته لتعزيز قُدُرات الأسلحة المُضادة التي تستهدِف تلك الاستخدامات.
قام “جون فيلاسينور” وهو كاتب متخصص في دراسات الحوكمة في مركز الابتكار التكنولوجي التابع لمعهد بروكنجز، بإعداد ورقة بحثية بعنوان “السباق العالمي للتفوق التكنولوجي: استكشاف الآثار الأمنية”.
تهتم الورقة بالأساس باستكشاف أبعاد العلاقة بين ثلاثة متغيرات أساسيّة هي:
– الذكاء الاصطناعي نفسُه.
– تأثيره على سلامة وتكامل المعلومات.
– انعكاس ذلك على السياق الجيوسياسي.
قدّمت هذه الورقة عددًا من محددات التأثير التي تُساعِد على تحديد تدفق المعلومات الذي يسهم في تشكيل تفاعل الرأي العام محليًا وعالميًا، كما يُعَد تدفُّق المعلومات مدخلًا مُهمًا لصناعة القرارات الاستراتيجية فيما يتعلق بالدفاع والأمن القومي وتعزيز النمو الاقتصادي.
مُحدِّدات التَأثير:
تَطرح الورقة ثلاثة مُحدِّدات رئيسية تُشكِّل كَيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على البيئة المعلوماتية خلال العقد القادم.
وتتمثل تلك المُحدّدات فيما يلي:
– التطور المتسارع في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي: ويأتي ذلك نتيجة الاستثمار بمعدلات غير مسبوقة من القطاعين العام والخاص في مجال الذكاء الاصطناعي، وحسب مؤسسة “CB Insights” فقد تطوَّرَ حجم رأس المال الاستثماري للشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة الأميركية من 4.1 مليار دولار في العام 2016، الى 5.4 مليار دولار في العام 2017، ثم قفز إلى 9.3 مليار دولار في العام 2018
كما زادت الحكومات الأميركية والصينية وغيرها من حجم الدعم المُوجّه لأبحاث ذلك المجال.
– الدور المتزايد للذكاء الاصطناعي في البيئة الرقمية: ويقصد بذلك الدرجة التي يتداخل فيها الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد مع النظام الإيكولوجي للمعلومات الرقميّة، حيث يجد المتابع أن أهم التغييرات في تكنولوجيا المعلومات حدثت خلال الربع الأخير من القرن الماضي، وبعيدًا عن الذكاء الاصطناعي، لكن في المُقابل من المُتوقّع أن يُسهِم الذكاء الاصطناعي في تطور مستقبل المشهد الرقمي المعلوماتي بأكمله خلال العقد القادم، وهو أمر بدت ملامحه الأوّلية خلال السنوات الخمس الماضية.
– حُماة المعلومات “Information Gatekeepers”: شركات مواقع التواصل الاجتماعية، بالإضافة إلى تجار التجزئة عبر الإنترنت، ومقدمي خدمات الإنترنت والهاتف، يمكن اعتبارهم طرفًا ثالثًا يتحكم بشكل أو آخر في كيفية تأثير الذكاء الاصطناعي على البيئة المعلوماتية، حيث تتعامل تلك الشركات مع ملايين المستخدمين، ومن ثَم تسعى إلى الاستفادة من المكاسب التي يُتيحها تبنّي الذكاء الاصطناعي على نطاق أوسع في أنظمتها مثل تقديم محتوى مخصّص للغاية للمستهلكين بشكل فردي، أو الكشف عن الاحتيال، وغير ذلك.
– تأثيرات على سلامة وتكامل المعلومات: يتناول هذا المحور الدور المزدوج للذكاء الاصطناعي في التأثير على سلامة وتكامل المعلومات، سواءًا من خِلال توفير الحماية لها، أو تدعيم آليات إطلاق الحملات التي تستهدفها، وتجدر الإشارة إلى أن سلامة وتكامل المعلومات تشير إلى ثلاثة عناصر رئيسية شديدة الارتباط، وهي:
– مدى دقة المعلومات.
– معلومات غير خادعة أو مضللة من خلال ربطها بالسياق الصحيح الذي تنبثق منه.
– وأخيرًا، إسنادها بِشكلٍ صحيح من خلال تتبع مصدر المعلومة.
الورقة طرحت شكلين رئيسيين لِتأثير الذكاء الاصطناعي على سلامة وتكامل المعلومات، وذلك على النحو التالي:
-التأثير من خلال الخداع العميق “Deepfakes”: وهي مقاطع فيديو يتم إنتاجها بمساعدة تقنيات التعلُّم العَميق، حيث تنسب إلى أشخاص القيام بأفعال أو الإدلاء بأحاديث لم يقوموا بها، وهي تُعَد من أخطر أشكال التضليل المعلوماتي خلال العقد القادم، وعلى الجانب الآخر، نجد أن هناك جهودًا جادة يتم بذلها من جانب الباحثين لتطوير أساليب تعتمد على استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد مقاطع الفيديو المعالجة تلقائيًا، واستخدام التعلُّم العميق لاكتشاف الصور والفيديوهات التي يتم معالجتها بواسطة برامج تبديل الوجوه.
– التأثير من خلال الحسابات الآلية “Bots”: هي حِسابات مبرمجة يتم رَبطها عبر شبكات من منصات التواصل الاجتماعي باعتبارها حسابات لأفراد، في حين أنها في الواقع مجرد حسابات آلية تُديرها برامج، تُبيّن أحدث الدِراسات قيام الحسابات الآلية بِنشر حوالي 14 مليون رسالة تتضمن محتوى مضلل من أصل 400 ألف تغريدة على منصة “تويتر”، وذلك خلال عشرة أشهر من عامَي 2016 و2017.
– تأثيرات على الأبعاد الجيوسياسية:
في ظل تلك الحالة من التعقيد، تَتبعت الورقة كيفية تأثير ذلك الدور المتوقع للذكاء الاصطناعي على مجموعة من الأبعاد الجيوسياسية، وذلك على النحو التالي:
– السيطرة والرقابة المعلوماتية: تعمد النظم السلطوية ليس فقط إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في نشر المحتوى الذي يتوافق مع سياساتها على أوسع نطاق ممكن وحجب ذلك الذي يتعارض معها فحسب، بل ويُمَكِّنُها من التحكُّم والرقابة في المنشورات التي تُنشَر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
– التدخل من خلال التضليل المعلوماتي للتأثير على انتخابات دول أخرى: والمثال الأكثر وضوحًا في هذا السياق هو ذلك التأثير الذي لعبته الحكومات الأجنبية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي في الانتخابات الأمريكية الماضية في 2016، إلا أن حملات التضليل المعلوماتي المدعومة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يمكنها التأثير بشكل منظم ومدروس على إدراك المستخدمين وتصوراتهم ومن ثَم استجاباتهم.
– التأثير على كافة العناصر والأبعاد الجيوسياسية: سواءًا كانت تشريعات أو سياسات تجارية أو اقتصادية أو ودفاعية، هذا بالإضافة إلى القرارات المتعلقة بعمليات الاندماج والاستحواذ الكبرى، وغيرها.
– التأثيرات التجارية: حيث تتلاعب الدول بالمعلومات لتعزيز تصورات المستهلكين الإيجابية عن الشركات التي يقع مقرها الرئيسي داخل الدولة، وبالتالي تعزيز القدرة التنافسية العالمية لتلك الشركات، وتحقيق الاستفادة الاقتصادية القصوى من وراء ذلك.
– التأثيرات العسكرية: أي صراع عسكري ممتد في المستقبل سيعتمد على التضليل المعلوماتي المستنِد على آليات الذكاء الاصطناعي، ليس فقط من خلال محاولات التأثير وتشكيل الرأي العام، ولكن أيضًا من خلال تقويض الجهود المبذولة لتوفير معلومات التي يتم الاعتماد عليها من قبل صناع القرار والقادة العسكريين، وإضعاف دقتها ومصداقيتها.
ختامًا، تخلص الورقة إلى محاولة الإجابة عن تساؤل مهم حول كيفية مواجهة المجتمعات، خاصة تلك الديمقراطية منها، لحملات التضليل الخارجية المستندة على لذكاء الاصطناعي، حيث أقرت الورقة بأن الحل قد يتمثل في ثالوث: التكنولوجيا، السياسات، الوعي.