أهمية التحول الرقمي الطارئ على نماذج العمل “2 من 2”
سيخلف التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي تأثيرا واضحا أيضا في مجال العمل وأنماطه، حيث كانت الأتمتة ما يقرب من عشرة أعوام مضت، تعتمد على تكويد المهام، حيث تبرمـج الآلات بمجموعة من التعليمات التي تعيد إنتاج منطق اتخاذ القرار البشري. لكن ماذا عن المهام التي لا يمكن تركيزها في سلسلة من الخطوات المنطقية المحددة سلفا؟ من فهم اللغة الطبيعية إلى التعرف على الأشياء بصريا، يندرج عدد كبير بدرجة مدهشة من الأنشطة – حتى تلك البسيطة ظاهريا – تحت هذه الفئة. وساعد هذا في الإبقاء على عديد من الوظائف في أمان من الأتمتة، لكن ليس لفترة أطول كثيرا، نظرا للتقدم الكبير في مجال التعلم الآلي.
ينطوي التعلم الآلي في الأساس على عملية شديدة التعقيد في التعرف على الأنماط. وباستخدام مجمعات ضخمة من البيانات وقوة الحوسبة الهائلة، تتعلم الآلات القيام بأشياء لا يمكننا صياغتها في رموز مشفرة. وهي تفعل هذا باستخدام أمثلة بدلا من المنطق القائم على القواعد. لقد فتح التقدم والتطور في مجال التعلم الآلي مناطق جديدة واسعة من الأتمتة: الروبوتات، والمركبات ذاتية القيادة، ومسح المؤلفات الطبية الفنية بحثا عن بنود أو مقالات رئيسة. وفي عديد من المجالات، مثل التعرف على الأنماط في علم الوراثة وعلوم الطب الحيوي، أصبحت الآلات قادرة على الحلول محل العاملين البشريين ليس هذا وحسب، بل إن قدراتها في نواح معينة تفوق قدرات أي إنسان.
هذه الأخبار أفضل مما قد يبدو. صحيح أن عددا أكبر كثيرا من المهام والمهام الفرعية سيعاد تخصيصها للآلات، لكن الغرض والمقصد النهائي للثورة الرقمية لابد أن يكون تحويل أتمتة العمل إلى زيادة رقمية. وعندما تؤدي الآلات مهام لا يستطيع البشر القيام بها، فإن الزيادة هي ما نحصل عليه بالتحديد.
رغم استحالة الجزم على وجه اليقين في هذه المرحلة المبكرة، إلا أن هناك سببا وجيها يحملنا على الاعتقاد بأن تكاليف الانتقال في هذه الجولة الجديدة من الارتباكات المرتبطة بالعمل ستكون موزعة على نطاق أعرض عبر طيف الدخل مقارنة بالجولة الأولى. فعند الطرف الأدنى من طيف الدخل على مستوى العالم، سيؤدي التقدم في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات، إلى إرباك وتعطيل التصنيع الذي يحتاج إلى عمالة كثيفة، وإزاحته في نهاية المطاف، وبالتالي نماذج التنمية التي تعتمد عليه. وعند الطرف الأعلى، ستخلف القدرات القائمة على التعلم الآلي تأثيرا ضخما على البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، فضلا عن الخدمات المهنية المتطورة.
مع ذلك، تظل الحقيقة المؤكدة هي أننا نتعامل مع تحولات شديدة التعقيد، وليست مسألة توازنات، ولا يجوز لنا أن نتوقع التكيف الطبيعي من قبل العمال وأسواق العمل لتحقيق نتائج عادلة، خاصة في ظل الفوارق الضخمة في موارد الأسر كنقطة بداية. لهذا السبب يجب على صناع السياسات، بالمشاركة مع الشركات والعمالة والمدارس، التركيز على التدابير الكفيلة بالحد من التفاوت في الدخل والثروة، بما في ذلك ضمان الوصول الواسع النطاق إلى الخدمات الاجتماعية العالية الجودة، مثل التعليم والتدريب على المهارات. في غياب هذا النوع من التدخل، ينشأ خطر حقيقي يتمثل في تسبب التحول الرقمي الطارئ على نماذج العمل في تخلف عدد كبير من الناس عن الركب، مع كل ما قد يترتب على ذلك من عواقب سلبية بعيدة الأمد على التماسك الاجتماعي.