الذكاء الاصطناعي ما له وما عليه!
إن الخطوة التالية بعد الوسطاء الأذكياء، هي نوع من الذكاء الاصطناعي يدعى أسلوب اكتساب الخبرة بالمحاولة والخطأ، الذي يحاول أن يرمز المنطق والذكاء بمجموعة من القواعد.
ويمكننا هذا الأسلوب بصورته المثالية من التكلم مع طبيب أو محام أو فني حاسوب، يمكنه أن يجيب عن أسئلة فنية مفصلة حول التشخيص والعلاج.
لقد اهتمت بعض الصناعات الثقيلة بأنظمة الخبرة، لأنه من الممكن استخدامها بدلاً من المهندسين والفنيين والكيميائيين، من ذوي الخبرة عند تقاعدهم.
في الثمانينيات كان لدى شركة جنرال إلكتريك مهندس واحد فقط يعرف كيف يصلح كل محركات القاطرات الكهربائية في الشركة، فلقد راكم هذا المهندس خلال عمره كمية ضخمة من المعرفة المفصلة حول الحالات الخاصة والشاذة لهذه القاطرات الضخمة، ولكنه مع ذلك كان يتقدم في السن، وكانت خبرته السرية – التي تعادل عشرات الملايين من الدولارات – ستضيع عندما يتقاعد، غير أن أجهزة الحاسوب ربما تمكنت حين نقلت خبرته إلى برنامج ذكاء اصطناعي دعي دلتا من تشخيص حوالي 80 % من الأعطال.
ومنذ عام 1985 صرفت 150 شركة مبلغاً هائلاً قدره بليون دولار على الذكاء الاصطناعي، وبشكل رئيس على الأنظمة الخبيرة.
ولكن المشكلة في هذه الأنظمة هي أنها تفتقر إلى القدرة على التمييز أو الإدراك السليم. ويمكن اختصار سبب انهيار أنظمة الخبرة في السوق التجارية بعبارة واحدة شائعة (من الأسهل أن تحاكي عالم جيولوجيا من أن تحاكي طفلاً في الخامسة من عمره)، أي أن النظام الخبير يمكنه معالجة الحقائق اللازمة لعمل الجيولوجيا بشكل جيد، ولكنه لا يستطيع محاكاة الإدراك السليم والتمييز لطفل في الخامسة فقط من عمره.
إن المشكلة في أجهزة الحاسوب هي أنها في الوقت الحالي من دون ملحقاتها الغامضة والمدهشة، ليست أكثر من آلات جمع رائعة أو (حكماء بلهاء)، وبينما يمكن تعديل آلات الجمع هذه لتصبح معالجة للنصوص فإنها في صميمها لا تزال آلات جمع.
فهي تستطيع التعامل مع كميات هائلة من البيانات بسرعة أكثر بملايين المرات من سرعة الإنسان، إلا أنها لا تفهم ما تفعله، وليس لديها أي تفكير مستقل، ولا تستطيع برمجة نفسها أيضاً.
إن إحدى المشاكل الرئيسية للفترة من عام 2020 وحتى 2050 هي بناء أنظمة ذكية تتمتع بالإدراك السليم أو القدرة على التمييز، مثل هذا الإدراك موجود في أدمغتنا على مستوى اللا وعي، مثل جبل جليد مختف تحت الأمواج إلى حد أننا لا نجشم أنفسنا عناء التفكير في كيفية استخدامه في حياتنا اليومية. ولا يحتل تفكيرنا الواعي إلا جزءاً صغيراً من مجمل تفكيرنا. فمعظم تفكيرنا إنما هو في الواقع تفكير لا واع، بما في ذلك تلك القدرة على التمييز.
ومن المفارقات أن أدمغتنا لم تتطور فيها الدوائر العصبية البسيطة جداً اللازمة لإجراء الحساب، فالقدرة على ضرب أعداد مؤلفة من خمسة أرقام، والذي يمكن لآلة حاسبة يدوية أن تقوم به من دون جهد، لم تكن مفيدة في الإفلات من نمر جائع حاد الأسنان منذ مئات الآلاف من السنين.
ومن العجيب أن الحساب لا يتطلب إلا قليلاً من الدوائر العصبية، إلا أن عدم الحاجة إليه أثناء تطورنا لم يدفع إلى تطويرها لدينا أبداً.
لقد تطورت أدمغتنا بدلاً من ذلك إلى جهاز عقلي راق يمكننا من التمييز والإدراك السليم دون التفكير به، مما مكننا من البقاء على قيد الحياة وسط عالم معاد.
أما أنظمة الحاسوب فهي على النقيض من ذلك تماما، إنها أنظمة مدهشة في المنطق الرياضي المجرد، ولكنها عموماً لا تفهم أبسط المبادئ في الفيزياء أو البيولوجية.