الذكاء الاصطناعي لا يمتلك ذكاء عاطفيًا.. ولكنه يحذِّرُنا
AI بالعربي – متابعات
تطوَّر الذكاء الاصطناعي بشكل مذهل في السنوات الأخيرة، إلا أنه لا يمتلك ذكاءً عاطفيًا حقيقيًا كما هو الحال لدى البشر. بينما يُظهر الذكاء الاصطناعي قدرات فائقة في معالجة البيانات، والتعلم السريع، وتنفيذ المهام المعقدة، يبقى عاجزًا عن فهم المشاعر أو التجاوب معها بعمق. الذكاء العاطفي، الذي يُعتبر جزءًا أساسيًا من التفاعل البشري، يعتمد على القدرة على فهم العواطف والتعاطف معها وتوجيه السلوك بناءً عليها، وهي مهارة لم يتمكن الذكاء الاصطناعي من تقليدها بالكامل.
ورغم التطورات الكبيرة في هذا المجال، هناك اتفاق واسع على أن الذكاء الاصطناعي لن يصل إلى مستوى البشر في مناحٍ عِدَّة، وأنَّ الفرق يبدو جوهريًا؛ إلَّا أنَّ التحذيرات لم تتواني تطوقنا من نشوء أي محاولة لمقارنة هذا الذكاء بذكاءنا العاطفي..
الفرق بين الذكاء العاطفي والذكاء الاصطناعي
الذكاء العاطفي هو القدرة على فهم العواطف، والتعامل معها بفعالية، والتفاعل مع الآخرين بأسلوب يعكس التعاطف والوعي الاجتماعي. ويمتلك الإنسان الذكاء العاطفي بشكل فطري نتيجة تجاربه الحياتية والتفاعلات الاجتماعية، مما يساعده على اتخاذ قرارات تعتمد على مشاعر معقدة كالفرح، والحزن، والغضب، والتعاطف. هذه القدرة تُمكّن الفرد من التواصل بعمق مع الآخرين، وحل النزاعات بمرونة، وإدارة علاقاته الشخصية بشكل أكثر فعالية.
في المقابل، الذكاء الاصطناعي يعتمد على تحليل البيانات والتعلم الآلي دون أن يتمكن من استيعاب أو تجربة المشاعر. وعلى الرغم من قدرته على تقليد بعض الأنماط السلوكية العاطفية من خلال الخوارزميات المتطورة، فإنه يفتقر إلى الفهم الحقيقي للمشاعر أو القدرة على التعاطف مع التجارب الإنسانية. والذكاء الاصطناعي قد يُظهر ردود فعل تبدو عاطفية، ولكنها في الواقع نتائج حسابات معقدة تعتمد على بيانات وليس على تجربة شخصية أو مشاعر عميقة، مما يجعله مختلفًا بشكل جوهري عن الذكاء العاطفي البشري.
الذكاء العاطفي الآلي
برز مصطلح “الذكاء الاصطناعي العاطفي” كمجال حديث في أبحاث الذكاء الاصطناعي، والذي يُعنى بتطوير أنظمة قادرة على التعرف على العواطف البشرية وتحليلها. ويعود الفضل في نشوء هذا المجال إلى الباحثة “روزاليند بيكارد” في عام 1995، حيث قدمت أبحاثًا أساسية في الحوسبة العاطفية، وألفت كتابًا شهيرًا تناولت فيه تلك الأفكار. يعتمد الذكاء الاصطناعي العاطفي على تصميم أجهزة وأنظمة تستطيع محاكاة الاستجابة العاطفية والتفاعل مع البشر بشكل طبيعي، مستفيدة من التقنيات المتقدمة في علوم الكمبيوتر والعلوم المعرفية.
تؤكد “بيكارد” أن تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي لفهم المشاعر والتعبير عنها هو خطوة أساسية نحو تحقيق تفاعل طبيعي بين البشر والآلات. وتشير الأبحاث العلمية إلى أن العواطف تلعب دورًا محوريًا في اتخاذ القرارات وعملية الإدراك، حيث تؤثر في التفكير المنطقي وآليات التعلم. بالتالي، يعتبر فهم العواطف ضروريًا لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على التواصل الفعّال مع البشر، مما يفتح آفاقًا جديدة في مجالات متنوعة، مثل: التعليم، والرعاية الصحية، وخدمات العملاء، حيث يمكن للأنظمة أن تتفاعل بطرق تعكس فهمًا عميقًا للمشاعر البشرية.
لكيلا يحدث الخلط.. تحليل المشاعر الآلي
ربما يتساءل أحدُنا ما دام هناك فرق وحدود، فماذا عن تحليل المشاعر الآلي؟
للإجابة بوضوح، أصل تحليل المشاعر هو عملية استنتاج أو قياس الصورة التي يحملها الأفراد تجاه خدمة أو منتج أو علامة تجارية، ويعتمد على تفسير الفروق الدقيقة في مراجعات العملاء والأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي. ويهتم هذا المجال بدراسة آراء الأشخاص ومشاعرهم وتقييماتهم تجاه مختلف الكيانات، حيث يسعى إلى فهم الاتجاهات العاطفية والمواقف الشخصية التي يحملها الأفراد نحو قضايا أو أحداث جارية، مما يوفر رؤى دقيقة حول ردود الأفعال الاجتماعية والانطباعات العامة. ويساعد تحليل المشاعر الشركات والمؤسسات على تحسين خدماتها ومنتجاتها بناءً على التفاعل العاطفي للجمهور، مما يعزز استراتيجياتها التسويقية والتواصلية.
تُعتبر تقنيات تحليل المشاعر من أكثر التطبيقات نجاحًا في مجال معالجة اللغة الطبيعية (NLP)، حيث تُستخدم لتحديد وتحليل المشاعر والموضوعات الدقيقة في النصوص التي يكتبها المستخدمون، مثل: الآراء والتعليقات والمراجعات. تحظى هذه التقنيات بقيمة كبيرة في العديد من المجالات التجارية، حيث يمكن لمراجعات الأفلام أن تؤثر بشكل كبير على إيراداتها، سواء إيجابًا أو سلبًا. كما أن مراجعات المنتجات قد تؤثر على جودة المنتج ومبيعاته. لذا، يصبح تحليل المشاعر أداة قوية لتعزيز استراتيجيات التسويق وتحسين التفاعل مع الجمهور.
خطوات تحليل المشاعر الآلي
تتكون عملية تحليل المشاعر من خمس مراحل أساسية، تُسهِم في فَهْم الآراء والمشاعر تجاه الكيانات المختلفة.
- استخراج البيانات ((Data Extraction: تعد هذه المرحلة الأولى والأكثر أهمية في عملية تحليل المشاعر، بجمع البيانات من مصادر متنوعة مثل الشبكات الاجتماعية. ويُمكن استخدام أدوات مثل Scraping Web لاستخراج البيانات من المواقع أو برمجة(APIs) لجمع البيانات من منصات التواصل مثل “x” (تويتر سابقًا) أو مجموعات البيانات المتاحة على الإنترنت مثل Kaggle.
- معالجة النصوص (Text Preprocessing): تتضمن هذه المرحلة تنظيف البيانات قبل إجراء التحليل، مما يشمل حذف المعلومات غير الضرورية مثل الروابط والعلامات الخاصة والرموز التعبيرية. والهدف هو إعداد البيانات لتكون جاهزة للتحليل الدقيق وتفادي أي تشويش قد يؤثر على النتائج.
- اكتشاف المشاعر (Sentiment Detection): في هذه المرحلة، تُستخرج الآراء من المراجعات باستخدام تقنيات معالجة النصوص. يتم تقسيم البيانات النصية إلى جمل وتحليل كل جملة للتحقق من موضوعيتها، مع استبعاد الجمل التي لا تحمل طابعًا شخصيًا، مما يساعد في تركيز التحليل على الآراء الحقيقية.
- تصنيف المشاعر (Sentiment Classification): تُحدد هذه المرحلة القطبية، حيث يتم تصنيف الجمل والكلمات إلى ثلاث فئات: إيجابية وسلبية ومحايدة. يساعد هذا التصنيف في فهم الانطباعات العامة حول الموضوعات المدروسة ويعزز من دقة التحليل.
- عرض النتائج (Presentation of Output): الهدف الأساسي من تحليل المشاعر هو تحويل النصوص غير المفهومة إلى مؤشرات ورؤى واضحة. لذا، يجب عرض نتائج التحليل باستخدام تقنيات التمثيل المرئي للبيانات، مثل الخرائط والأشكال الرسومية، لتسهيل القراءة والفهم من جانب متخذ القرار.
الذكاء الاصطناعي والإنسانية
من خلال ما سبق، يتضح الفرق الشاسع بين مفهومي الذكاء العاطفي البشري المجرَّد من الآلية، والذكاء الاصطناعي الناتج عن عمليات وخطوات خوارزمية محوْسَبة؛ لتتجلَّى نظرة دقيقة على الوضع المنظور إليه في هذا المجال.
قد يكون التقرير الذي أصدرته مؤسسة “سدايا” – الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي – عام 2023، قد أفرد مساحة لمبدأ الإنسانية في هذا الشأن، حيث أشارت إلى أن بناء أنظمة الذكاء الاصطناعي يتطلب منهجية عادلة وأخلاقية تستند إلى حقوق الإنسان والقيم الإنسانية. ويجب تصميم هذه الأنظمة بحيث لا تؤدي إلى خداع أو تلاعب، بل تعزز من مهارات الإنسان وتتيح له اتخاذ قرارات مستنيرة. ويجب أن تركز الخوارزميات على الإنسان، مع الالتزام بمعايير إدارة بيانات شاملة وأخلاقية. كما يجب إجراء تقييمات دورية لضمان توافق الأنظمة مع حقوق الإنسان والقيم الاجتماعية، وتطبيق تدابير تصحيحية فورية في حال رصد أي نتائج سلبية، مما يعزز من فعالية الأنظمة ويسهم في ازدهار المجتمعات المحلية.
لا يتقن التعاطف
رغم التطور الكبير في قدرات الذكاء الاصطناعي من خلال بعض التطبيقات التجريبية، فإنه لم يتمكن حتى الآن من إتقان التعاطف بالطريقة التي يتقنها الإنسان.
التعاطف ليس مجرد قدرة على تحليل المشاعر، بل هو قدرة عميقة على وضع الذات في مكان الآخر، والشعور بتجاربه وآلامه دون أحكام مسبقة. فهذه السمة البشرية تتميز بالعمق العاطفي والفهم الإنساني، وهي قدرة لم يصل إليها الذكاء الاصطناعي بعد، حيث يظل محدودًا في تحليلاته على البيانات والمعلومات، وليس على الأحاسيس والتجارب الشخصية.
ختامًا، على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تسريع وتيرة الكثير من المهارات وتحسين الكفاءة، فإنه لا يستطيع اتخاذ القرارات أو تحديد الخيارات التي تنبع من قيمنا وتجاربنا الشخصية. ومع تزايد معدلات القلق والاكتئاب في المجتمع، نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى للبقاء متصلين ببعضنا، واستخدام التكنولوجيا لتدعيم إنسانيتنا لا لتحل محلها. يجب أن يكون التطور وسيلة لخدمتنا، وليس بديلاً عن مشاعرنا وتفاعلاتنا الاجتماعية.